فصل إنجيل هٰذا الأحد من (لو ١: ٢٦-٣٨)، عن بشارة يحْملها رئيس الملائكة الجليل “جَبرائيل” إلى “السيدة العذراء”. إن “عيد البشارة” هو أول الأعياد، ويُطلِق عليه الآباء “رأس الأعياد” إذ يقع زمنيًّا في بَدء أحداث التجسد ثم الميلاد والصلب والقيامة؛ ويُحتفل به في التاسع والعشرين من شهر “بَرَمهات”، ولذا حين يأتي الأحد الخامس من الشهر القبطيّ في التاسع والعشرين منه، تُقرأ القراءات المخصوصة بيوم التاسع والعشرين من “برمهات” أيْ قراءات “عيد البشارة” ـ ما عدا شهرَي “طوبه” و”أمشير” اللذين لم يقعا في مدة الحبَل المقدس، وشهر “كِيَهْك” الذي يُحتفل في التاسع والعشرين منه بـ”عيد الميلاد المجيد”.
وفي فصل الإنجيل “البشارة” نلاحظ:
• أن لفظة “عذراء” وردت مرتين، لتأكيد عذراوية القديسة “مريم”، لإعلان أن ميلاد السيد المسيح ليس من زرع بشر، وهٰذا ما تنبأ به “حَزقيال النبيّ” حين قال عن “الباب الشرقيّ”: “… «هٰذا الباب يكون مُغلَقًا، لايُفتح ولا يدخل منه إنسان، لأن الرب إلٰه إسرائيل دخل منه فيكون مُغلَقًا، الرئيس الرئيس هو يجلس فيه …” (حز ٤٤: ٢-٣).
• شخصية “السيدة العذراء” الفريدة، إذ لم توصَف هي مثل الأبرار والصِّديقين بأنها “بارّة” أو “كاملة في أيامها”؛ بل هي فاقت الجميع إذ يحَيِّيها رئيس الملائكة: “سلام لكِ أيتها الممتلئة نعمة! الرب معكِ. مبارَكة أنتِ في النساء.”. ويقول “القديس أُمبروسيوس”: [انفردت بدعوتها «الممتلئة نعمة»، إذ وحدها نالت النعمة التي لم يَقتنِها أحد آخر غيرها، إذ امتلأت بمواهب النعمة.].
• في الوقت الذي دخل الشك إلى قلب “زكريا الكاهن” عندما بشره الملاك بولادة “يوحنا المَعْمَدان” ـ وتلك البشارة كان قد جاءت نبوَّة عنها عددًا من المرات في “العهد القديم” ـ لم تشُك السيدة العذراء لحظةً في كلمات الملاك المرسَل إليها من الله، هٰذا مع أن تلك البشارة لم يكُن لها مثيل في “الكتاب المقدس”! ولٰكنها تساءلت عن طريقة إتمام ذٰلك الأمر، فأجابها الملاك عن تساؤلها؛ ويؤكد الآباء ذٰلك إذ يقول “القديس أُمبروسيوس”: [لم ترفض «مريم» الإيمان بكلام الملاك، ولا اعتذرت عن قَبوله، بل أبدت استعدادها له. أمّا عبارة: «كيف يكون هٰذا؟»، فلم تَنُمّ عن شك في الأمر قط، إنما هو تساؤل عن كيفيّة إتمام الأمر … إنها تحاول أن تجد حلاًّ للقضية … فمِن حقها أن تعرِف كيف تتم الولادة الإعجازية العجيبة.].
• كثيرون لا يستطيعون تحمل الكرامة بل سريعًا ما يسقطون في الكبرياء، ولذا تأتي عظمة “السيدة العذراء”: من ازديادها تواضعًا مع تلك البشارة التي لم تتكرر في التاريخ! إذ تقول: “هوَذا أنا أَمَة الرب. ليكُن لي كقولك.”! ويقول “القديس أُغُسطِينوس”: [إن السيد المسيح المتواضع لا يعلِّم أُمه ـ في الحبل به ـ الكبرياء، بل التواضع!]؛ وهٰكذا استحقت أن تُطوِّبها جميع الأجيال.