يتحدث إنجيل هٰذا الأحد من (لوقا 11: 1-13)؛ وفيه يقدم السيد المسيح تعاليمه عن عن الصلاة فنجد:
• أن تلاميذ السيد المسيح قد طلبوا إليه أن يعلمهم الصلاة فقدم لهم الصلاة الربانية؛ هٰذه الصلاة التي تدخل بالإنسان إلى أعماق الحياة الروحية في عَلاقته بالله؛ ففيها يعلِّم السيد المسيح تلاميذه بأن يدعوا الله أبًا لهم: “متى صليتم فقولوا: أبانا الذي في السماوات”؛ وهكذا تكون العَلاقة بين الإنسان والله حاملةً علامات الحب الأبويّ الذي يعرِف أتعاب أبنائه، ويُدرك احتياجاتهم؛ فيهب لهم ما هو صالح وما هو خير لحياتهم: الحب الذي يعلِّم الجهال الطريق، ويُرشد السائرين في دُروب الحياة، ويسنُد ضعفاء النفوس، ويشجع كل نفس؛ فهو يُريد أن الجميع يخلُصون وإلى معرفة الحق يُقبِلون؛ نعم: الله يُريد للإنسان السعادة والخير، ولكنه لا يجبر أحدًا على اتّباعه محترمًا حريته وإرادته؛ وأيضًا هو لا يرفض كل نفس تُقبِل إليه تائبةً مهما عظُم ما اقترفته من آثام، فلا حدود لرحمة الله وغفرانه فيقول “القديس إسحاق السريانيّ”: “التوبة هي باب الرحمة المفتوح للذين يُريدونه”. إن الله هو الأب والراعي الذي لا يتخلى عن خرافه أبدًا، يقول “القديس أُغُسطينوس”: “ألقُوا بكل همومكم وأنفسكم كليًّا على الرب، فلن تسقطوا، لأنه لن يتخلى عنكم.”.
• أنه كما يغفر الله للإنسان خطيئته، فهو يطالبه كذلك بالغفران لأخيه الإنسان، فيعلمنا أن نطلب إليه: “واغفر لنا خطايانا لأننا نحن أيضًا نغفر لكل من يُذنب إلينا”؛ نعم: فالله يُريد أن يدرب الإنسان على نقاوة القلب كاملةً، فالقلب التائب هو قلب تنقى من خطاياه، والقلب الغافر هو قلب امتلأ بالمحبة حتى لم يعُد به مكان لتذكُّر إساءات من أيّ شخص آخر؛ قلب يحمل في أعماقه الله. أمّا عدم الغفران فهو علامة قساوة القلب وكبرياء النفس إذ لا يرى ما يفعله من خطايا وضعفات وينتبه لأخطاء الآخرين في حقه. وكما ذكر مثلث الرحمات “البابا شنوده الثالث”: “أنت حينما تغفر: إنما تُعطي المغفرة لنفسك. اسأل نفسك إذًا هذا السؤال: حينما تعطي مغفرة للآخرين، هل أنت تُعطي مغفرة؟ أم أنت تأخذ مغفرة؟! لا شك أنك تُعطي وتأخذ. ولكن إذا كنت لا تغفر، فإنك تمنع المغفرة عن نفسك.”. ولنتذكر: إن الله يترك لنا ما علينا من دُيون ثقيلة من أفعال. خاطئة وأفكار غير سليمة ومشاعر قلب غير نقية وغيرها؛ وأمام تلك المحبة الغافرة علينا أن نغفر لمن يُسيئون إلينا؛ وحينئذ لن تمتلئ حياتنا إلا بالسلام الذي لا يمكن العالم أن ينتزعه منا.