يخبرنا إنجيل هٰذا الأحد (لوقا ١: ٥٧-٨٠) عن ولادة “يوحنا المَعمَدان” في الوقت المعيَّن له من قِبل الله، إذ هو الملاك المرسَل أمام السيد المسيح، الآتي بروح “إيليّا” ليُعد شعبًا مستعدًّا لله. وقد صاحب ميلادَ “يوحنا” عددٌ من الأمور: ذٰلك أنهم عندما جاءوا ليختُِنوه كعادتهم في اليوم الثامن من ميلاده، أرادوا أن يُطلقوا عليه اسم أبيه “زكريا”، لٰكن أمه “أليصابات” رفضت قائلة: “لا! بل يسمَّى يوحنا”، وعندما طلبوا إلى أبيه أن يسميه، طلب لوحًا وكتب عليه: “اسمه يوحنا”؛ وعند ولادته انفتح فم “زكريا” واستطاع أن يتكلم وبارك الله. كانت تلك الأحداث مثار عجب ودهشة وخوف الجميع، وإعلانًا أن هٰذا الصبيّ لن يكون صبيًّا عاديًّا: “فوقع خوف على كل جيرانهم. وتُحُدِّث بهٰذه الأمور جميعها في كل جبال اليهودية، فأودعها جميع السامعين في قلوبهم قائلين: «أتَرى ماذا يكون هٰذا الصبيّ؟»”.
وقد تنبأ عنه “زكريا” أبوه أنه: نبيّ العليّ، وأنه يتقدم أمام وجه الرب ليُعد طرقه، قائدًا الشعب إلى التوبة؛ كما تنبأ عنه “إِشَعْياء”: “صوتُ صارخٍ في البرّية: «أعدوا طريق الرب. قوِّموا في القفر سبيلًا لإلٰهنا. كل وَطاء يرتفع، وكل جبل وأكَمة ينخفض، ويصيّر المُعْوَجّ مستقيمًا، والعراقيب سهلًا …” (إش ٤٠: ٣-٤) وتلك كانت رسالة “يوحنا المَعمَدان”، الذي كانت خدمته ستة أشهر لٰكنها قوية مؤثرة في كل الشعب بطوائفه كافةً، إذ قدَّمها بكل تواضع وأمانة وإخلاص، حتى استُشهد دفاعًا عن الحق على يد “هِيرُودُس” الملك الذي أراد أن يَكسِر وصايا الله بزواجه بامرأة أخيه “هِيرُودِيّا”.
إن كل إنسان قد أوجده الله في هٰذه الحياة كي يحمل رسالة ودورًا تجاه الإنسانية، وعليه أن يقوم به بكل أمانة، منتظرًا أجره من الله لا من البشر. إن يوحنا لم ينتظر مدحًا من أحد، ولم يشتهِ مركزًا أو أيّ أمر من أمور العالم، بل كان هدفه “الله”. تلك هي قيمة الحياة أن تقدَّم إلى الله، وتسير نحو الله، في مسيرة حب لشخصه القدوس. إن قيمة الحياة هي في وجود الله معنا، وتمتعنا بحضرته في رحلة العمر: طالت أو قصرت.