أهنئكم جميعًا بعيد الميلاد الذي احتفل به أمس مسيحيوالشرق والكنيسة الأرمينية والكنيسة الروسية، و”الكنيسة القبطية الأرثوذكسية” في التاسع والعشرين من شهر كيهك بحسب التقويم القبطيّ الموافق السابع من شهر يناير وَفقًا للتقويم الميلاديّ، مصلين إلى الله أن يبارك بلادنا “مِصر” ويمُن على العالم بالسلام والرخاء.
وحين نتحدث عن الميلاد، فلا شك أن الحديث يجذبنا إلى الخوض في شخصية هذا المولود الفريد، الذي تنبأ بمجيئه العهد القديم، كما جاء على لسان “ميخا النبيّ”: “أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي ٱلَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ ٱلْأَزَلِ”، وإِشَعْياء النبي: “يُعْطِيكُمُ ٱلسَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا ٱلْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ٱبْنًا وَتَدْعُو ٱسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ»”، وتنبأ عن سماته: “لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ٱبْنًا، وَتَكُونُ ٱلرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى ٱسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ ٱلسَّلاَمِلِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلَامِ لَا نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ، مِنَ ٱلْآنَ إِلَى ٱلْأَبَدِ”، ومعجزاته”هُوَ يَأْتِي وَيُخَلِّصُكُمْ. حِينَئِذٍ تَتَفَقَّحُ عُيُونُ ٱلْعُمْيِ، وَآذَانُ ٱلصُّمِّ تَتَفَتَّحُ. حِينَئِذٍ يَقْفِزُ ٱلْأَعْرَجُ كَٱلْإِيَّلِ وَيَتَرَنَّمُ لِسَانُ ٱلْأَخْرَسِ”.
والسيد المسيح هو من بشرت السماء بميلاده، حين خاطب الملاك القديسة السيدة العذراء: “لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدتِ نعمة عند الله. وها أنت ستحبلين وتلدين ابنًا وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيمًا وابن العلي يُدعى …”؛ وهو من حدَّثت السماءرعاة متبدين عن ميلاده في مذود؛ كانوا يحرسون حراسات الليل على رعيتهم “وإذا ملاك الرب وقف بهم ومجد الرب أضاء حولهم فخافوا خوفًا عظيمًا. فقال لهم الملاك: «لا تخافوا. فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب: إنه وُلد لكم اليوم في مدينة داود مخلِّص هو المسيح الرب. وهذه لكم العلامة: تجدون طفلًا مُقَمَّطًا مُضْجَعًا في مذود». وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماويّ، مسبحين الله وقائلين: «المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة»”، كذلك أعلنت السماء ميلاده لمجوس من المشرق، بظهور نجم عجيب تبِعوه ليهتدوا إلى مكانه: “إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورُشليم قائلين: «أين هو المولود ملك اليهود؟ فإننا رأينا نَجمه في المشرق وأتينا لنسجد له»”.
والسيد المسيح هو من طفق معاصروه يُعلنون عظم تأثرهم بشخصيته وطلَّته، فها هو والي الجليل “يوليوس” يورد في رسالته إلى المحفِل الرومانيّ، مشدوهًا: “فبالحقيقة، أيها الملك، إنه يوميًّا يُسمع عن «يسوع» هٰذا أشياء غريبة: فيقيم الموتى، ويشفي المرضى بكلمة واحدة!! … وأما منظره فهو رائق ومستر، وعيناه كأشعة الشمس، ولا يمكن لإنسان أن يحدق النظر في وجهه بسبب طلعة ضيائه!! فحينما يوبخ يُرهِب،ومتى أرشد أبكى، ويجتذب الناس إلى محبته … ثم إنه من جهة العلوم أذهل مدينة «أورُشليم» بأسرها، لأنه يفهم كافة العلوم دون أن يدرُس شيئًا منها البتة … ويقال إنه ما أحزن أحدًا قط، بل بالعكس يخبر عنه أولئك الذين عرَفوه واختبروه أنهم حصلوا منه على إنعامات كلية وصحة تامة”. لقد جذبت شخصية السيد المسيح كل القلوب التي تعاملت معه واختبرت محبته الحقيقية.
وممن أُسروا بطاقة الحب الصادرة من شخصية السيد المسيح، الإمبراطور الفرنسيّNapoléon Bonaparte فكتب: “إن »يسوع المسيح« ليس مجرد إنسان، فليس بينه وبين أيّ إنسان آخر في العالم مجال للمقارنة. لقد أسَّسنا أنا و«الإسكندر» و«قيصر» و«شارلمان» إمبراطوريات. لكن، علامَ أرسَينا قواعدها؟ على القوة. ولكن «يسوع المسيح» أسَّس إمبراطوريته على الحب!! وفي هذه اللحظة هناك ملايين مستعدون أن يموتوا من أجله!!!”، والكاتب البريطانيّ Herbert Wellsالذي اعترف بجلوس السيد المسيح على قمة هرم المتفردين، فقال: “كان «يسوع المسيح» هو الشخص الأعظم تفردًا في التاريخ، ولا يمكن لإنسان أن يكتب تاريخ السلالة البشرية دون أن يعطي المكانة العظمى للمعلم الناصريّ الذي لم يكُن يملك شيئًا”.
وأختِم بدُرَّة من كلمات أمير الشعراء “أحمد شوقي”:
وُلِدَ الرفْقُ يومَ مَولِدِ عِيسَى وَالْمُرُوءَاتُ وَالْهُدَى وَالْحَيَاءُ
وَازْدَهَى الْكَونُ بِالْوَلِيدِ وَضَاءَتْ بِسَنَاهُ مِنَ الثَّرَى الْأَرْجَاءُ
وَسَرَتْ آيَةُ الْمَسِيحِ كَمَا يَسْرِي مِنَ الْفَجْرِ فِي الْوُجُودِ الضِّيَاءُ
تَمْلَأُ الْأَرْضَ وَالْعَوالِمَ نُورًا فَالثَّرَى مَائِجٌ بِهَا وَضَّاءُ
كل عام وجميعكم بخير، و… والحديث في “مصر الحلوة” لا ينتهي!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ