No Result
View All Result
مع اقتراب نهاية عام وبداية آخر جديد أجد أنه دور على كل إنسان أن يقيم حياته، وعامه المنقضي بكل ما يحمل من إيجابيات وسلبيات. فالحياة من دون تقييم تفلت من بين يد صاحبها كالسراب الذي لا يستطيع الامساك به أو كالريح التي يقبض كفيه محاولًا أن ينال منه شيئَا فإذ بها وحيدة لا تحوي سوى السراب.
اجلس إلى نفسك
أول خطوات التقييم الصحيح هي أن تجلس إلى نفسك بأمانة وصدق ورغبة حقيقية أن تعرف أين تقف وإلى أين تسير؛ والجلوس إلى النفس أمر لم يعد هينًا في عالمنا الآن بكل ما يحتويه من مشغوليات ومهام وعمل ومسؤوليات لكنه أمر لا غنى عنه إذ هو نقطة انطلاق لك إلى ما هو أفضل. كثير من البشر يتعللون بسرعة إيقاع الحياة ومشغولياتها فتهرب منهم الأيام فلا يجلسون إلى أنفسهم ولا يدركون إلى أين تتجه خطواتهم وحين ينتبهون يجدون الزمن قد فر منهم ورحل بعيدًا بأحلامهم. لذلك، لاتدع يومك ينقضي دون أن تجلس ولو لدقائق تراجع فيها يومك وما زرعته فيه. وحين تجلس إلى نفسك لا تكن قاسيًا أو لينًا معها، بل كن عادلًا واتجه نحو التغيير بإيجابية. وفي جلستك مع ذاتك:
أن يكون للإنسان أهداف يسعى لتحقيقها في حياته هو أمر رائع ولا غنى عنه للصمود في معتركات الحياة وتحقيق الإنجازات وهو أهم مقومات النجاح، بل يعتبرها البعض دليلًا على أن الإنسان ما زال يحيا، وحين يسير الإنسان في حياته ويعمل بلا هدف لن يعرف النجاح. وذٰلك لأن ذلك النجاح يٌقاس بمدى تحقيق الإنسان لما وضعه لنفسه من أهداف؛ أيْ إن تقدير نجاح الإنسان في الحياة يرتبط بمدى اقترابه من الهدف الذي يسعى نحوه. والأهداف التي يضعها الإنسان يجب أن تتسم: بالتحديد، والوضوح، والدقة، مع الاهتمام بالزمن الملائم لتحقيقها بتميز. يقول الكاتب والأديب إميرسون: “العالم بأسره يُفسح الطريق للشخص الذي يعرف وُِجهته”؛ فمن يرغب التقدم والنجاح يجب أن يحدد وُِجهته وما يريد الوصول إليه.
ولكن يحتاج كل شخص لمراجعة أهدافه بشكل مستمر في جلسات هادئة مع النفس يقيم فيها ما قام بوضعه لنفسه من أهداف أكان مناسبًا لطموحاته، مواهبه وامكاناته الشخصية أم لا؟ هل يحتاج إلى تعديل البعض منها أو تغييرها؟ ما الذي تحقق منها جزئيًا وما الذي لم يبدأ بعد؟ ولماذا؟ هل ترتيب الأهداف في حياته صحيح، أم أن هناك أمور يجب عليه أن يقدم لها الأولوية في وقته الحاضر؟ إن مراجعة الأهداف وتقييمها يضع دائمًا الإنسان على الطريق الصحيح وإن شرد قليلًا عنه يعيده سريعا.
قيم انجازاتك
أيضًا في جلستك مع نفسك ضع أمام عينك ما تحقق لك من انجازات وما كان يجب أن تصل إليه ولم يحدث. فالانجازات هي الأحلام التي رغبت في تحقيقها وحولتها إلى أهداف ثم خطط استخدمت فيها أساليب متنوعة لتصل بحلمك إلى أرض الواقع. وفي أثناء تقييمك لما أنجزته عليك ألا تهمل عامل الزمن والوقت الذي استغرقته للوصول إليه، ففي الكثير من الأحيان يحقق الإنسان إنجازاته ولكن بعد زمن طويل فيفقد الكثير من قيمته، وبقليل من الوقت والمراجعة والتنظيم يمكن تحقيق إنجازات أعظم. لا تبخل على نفسك بترتيب أمور حياتك ومراجعتها في جلوسك مع نفسك.
وأيضًا وأنت تقيم ما حققته إذا ما رأيت أنه هناك العوائق وأنك لم تصل إلى حلمك قم بمراجعة الأساليب والطرق التي استخدمتها فربما يكون هناك أمرًا غير مناسبًا يحتاج إلى التعديل. ومع مراجعة الأساليب تكتشف طرقًا جديدة قد تكون أيسر أو أدق للوصول بك إلى ما تسعى إليه.
قيم مشكلاتك
في الحياة حتمًا يواجه الإنسان العديد من المشكلات المتنوعة والتي تؤثر بشكل مباشر على حياته ومشاعره كما قد تؤدي إلى حدوث ارتباك؛ لذا، حين تتعرض لمشكلات لا تدَعْها تطغى على تفكيرك أو مشاعرك، بل حاول أن تُهدئ من قلقك وتوترات نفسك؛ لتفكر بهدوء وعقلانية يؤديان بك إلى أفضل الحلول. وأحد الحلول أن تقييم المشكلات التي تتعرض لها لمعرفة أسبابها، فربما يكون لك دور في اقتحامها لحياتك بأسلوب تتبعه. وحين تجلس إلى ذاتك فأنت تعطي لنفسك الفرصة أن تقييم أسباب المشكلات بإيجابية وتسعى نحو اكتشاف حلول تساعدك على تخطيها، ولكي ما تقييم بصدق دائمًا اسأل نفسك: ما هو دوري في تفاقم تلك المشكلة أو الموقف؟ وستجد أن كثير من الاضطرابات في حياتك قد هدأت.
أيضًا في تقييم المشاكل عليك أن تعطيها حجمها الحقيقي فلا تزيد من شأنها أو تقلل منه؛ ولكي تصل إلى ذلك لا تقيم الأمور بينما أنت تحمل في أعماقك مشاعر متأججة نحوها بل اهدأ قليلًا لتعطي العقل فرصة في أن يفكر بأكثر هدوء فيكون أقرب إلى المصداقية. وفي ذلك أعجبتني قصة قرأتها ذات يوم تقول أن أحد الأشخاص قد لاحظ أنه يحمل همومًا كثيرة في حياته ما يؤدي إلى ارتباكه؛ فلا يستطيع حل ما يتعرض له من عقبات، بل تزداد الأمور تعقيدًا. وإذ أدرك هٰذا، قرر أن يكتب المشكلة التي تواجهه أو الفكر الذي يقلقه، ثم يُلقيه في صَُندوق أطلق عليه “صَُندوق المشكلات”. كان يفعل هٰذا طوال أيام الأسبوع، ثم يفتح الصندوق في يوم الخميس من كل أسبوع في جلسة هادئة يقرأ ما كتبه على مر الأيام. اكتشف الرجل بعد مدة، أن أغلب ما دونه هو مخاوف أو مشكلات لم تحدث، أو لم تنتهِ، أو ليست في طريقها للحل. كذٰلك وجد أن هناك كثيرًا من الأمور التي كان ينتابه القلق والمخاوف جراء حدوثها لم يكُن لها وجود حقًّا! وأنت تفعل هٰذا، ضَع كل أمورك أمام الله في صلواتك واثقًا أنه يستطيع أن يعينك ويهبك الحكمة اللازمة للتصدي للمواقف التي تمر بك.
أهنئكم جميعـًا باقتراب حلول العام الجديد، متمنيـًا من الله أن يكون عامـًا ممتلئـًا بكل الخير والسلام والرخاء للمصريين جميعًا ووطننا العزيز مصر.
كل عام وأنتم بخير.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ
No Result
View All Result