تُعد المحبة الفضيلة الأولى التي تنادي بها المسيحية؛ بل إنها تحوى داخلها جميع الفضائل الأخرى من: احتمال، وصبر، وبذل، وعطاء … إلخ. وحين أراد القديس يوحنا أن يتحدث عن الله قال: “… اللهَ مَحَبَّةٌ” 1يوحنا 8:4. وحين لخص السيد المسيح الناموس والأنبياء، قال: “وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. … تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ.” مرقس 30:12-31. وبهٰذا صارت المحبة الطريق الملوكيّ إلى الله.
والله كليّ المحبة، وقبل أن يوجِد الإنسان، والإنسان في فكره وأحبه: “فَرِحَةً فِي مَسْكُونَةِ أَرْضِهِ وَلَذَّاتِي مَعَ بَنِي آدَمَ.” الأمثال 31:8.
وتظهر محبة الله للإنسان في:
• خلق الإنسان
تعبّر الكنيسة عن محبة الله للإنسان؛ فنجد في القداس الغِريغُوريّ: “… ليس شيء من النطق يستطيع أن يحُدّ لُجَّة محبتك للبشر. خلقتني إنسانًا كمحب للبشر. لم تكُن أنت المحتاج إلى عُبوديتي، بل أنا المحتاج إلى رَبوبيتك.”.
وقبل أن يخلق الله الإنسان:
o أعد الله الكَون للإنسان قبل ما يخلقه: الأرض، والسماء، والزروع لتكون طعامًا له، والحيوانات. ثم توج خليقته بالإنسان: “من أجل تعطفاتك الجزيلة كوَّنتني إذ لم أكُن. أقمتَ السماء لي سقفًا، وثبَّتَّ لي الأرض لأمشي عليها. من أجلي ألجمتَ البحر. من أجلي أظهرتَ طبيعة الحيوان. أخضعتَ كل شيء تحت قدميّ. لم تدَعني مُعْوَزًا شيئًا من أعمال كرامتك.” (القداس الغِريغوريّ).
o خلق الله الإنسان على صورته
وَقَالَ اللهُ: “«نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا …” التكوين 26:1
“فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ” التكوين 27:1.
وهٰذه الصورة هي في البِر والقداسة: “… وَتَلْبَسُوا الْإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ.” أفسس 4: 24.
وقد كانت هي أبهى صورة للإنسان؛ فبعد خلقه: “وَرَأى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا.” التكوين 31:1.
o وتظهر محبة الله واضحة حين أخطأ الإنسان وسقط، فأعد الله الخلاص للإنسان، وقدم إليه أول وعد في الكتاب المقدس: “… وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ».” التكوين 15:3
ومحبة الله معلَنة في الكتاب المقدس من خلال عَلاقة المحبة التي تربط الله بشعبه:
o “… ليْسَ مِنْ كَوْنِكُمْ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ، التَصَقَ الرَّبُّ بِكُمْ وَاخْتَارَكُمْ، لِأَنَّكُمْ أَقَلُّ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ. بَل مِنْ مَحَبَّةِ الرَّبِّ إِيَّاكُمْ، وَحِفْظِهِ القَسَمَ الذِي أَقْسَمَ لِآِبَائِكُمْ، أَخْرَجَكُمُ الرَّبُّ بِيَدٍ شَدِيدَةٍ وَفَدَاكُمْ مِنْ بَيْتِ العُبُودِيَّةِ مِنْ يَدِ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ.”. التثنية 7:7-8
o “«أَنَا أَشْفِي ارْتِدَادَهُمْ. أُحِبُّهُمْ فَضْلًا …” هوشع 4:14
وتظهر هٰذه المحبة في:
o مساندة الله للإنسان في طريق الحياة فيقول:
“… رَأَيْتَ كَيْفَ حَمَلكَ الرَّبُّ إِلٰهُكَ كَمَا يَحْمِلُ الإِنْسَانُ ابْنَهُ فِي كُلِّ الطَّرِيقِ التِي سَلكْتُمُوهَا حَتَّى جِئْتُمْ إِلى هٰذَا المَكَانِ.” التثنية 31:2
“فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ، وَمَلاَكُ حَضْرَتِهِ خَلَّصَهُمْ. بِمَحَبَّتِهِ وَرَأْفَتِهِ هُوَ فَكَّهُمْ وَرَفَعَهُمْ وَحَمَلَهُمْ كُلَّ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ.”. إِشَعْياء 9:63
“… «وَمَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ، مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ أَدَمْتُ لَكِ الرَّحْمَةَ. …” إرميا 3:31
“كُنْتُ أَجْذِبُهُمْ بِحِبَالِ الْبَشَرِ، بِرُبُطِ الْمَحَبَّةِ، وَكُنْتُ لَهُمْ كَمَنْ يَرْفَعُ النِّيرَ عَنْ أَعْنَاقِهِمْ، وَمَدَدْتُ إِلَيْهِ مُطْعِمًا إِيَّاهُ.” هوشع 4:11
ويعلن هٰذا القديس يوحنا الحبيب:
“نَحْنُ نُحِبُّهُ لِأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلًا.” 1يوحنا 19:4
وهٰكذا فإن المحبة مصدرها وأساسها الله الذي أحب الإنسان، وعلَّمه المحبة الحقيقية و … وللموضوع بقية.