المبادئ في الحياة لا تُقتنى أو يبحث عنها الإنسان عندما ينضج، وإنما هي تتكون وتتأصل وتصبح أسلوب حياة من الصغر، لأن المفاهيم السليمة والقيم والفضائل تُغرس منذ وقت مبكر جدًّا في حياة الإنسان، فعلينا أن نعلّم أولادنا وندربهم أن يسلكوا بها. وقد يتوقع بعضنا أن الأمور تحتاج إلى إدراك وفَهم ومن ثَم يعتقدون أنها تبدأ متأخرة قليلاً في حياة أطفالهم، لٰكن الأمور لا تسير هٰكذا في حياة الأطفال: فما يُغرس في أذهانهم وما يجب أن يتعلمونه تجاه الآخرين يبدأ في سن صغيرة جدًّا، قبل انغماسهم في المجتمع مع انتظامهم في التعليم.
قال لي أحدهم: “لا أعرف ماذا يمكنني أن أفعل مع ابني في المرحلة الإعدادية لكي أساعده في اجتياز تلك العزلة التي يحيط بها حياته؟! فهو لا يرغب في مقابلة أحد، ولا التحدث إلى إنسان، ولا يثق بأحد، ويعتقد أن الجميع كاذبون!”؛ ومع هٰذه الكلمات، تذكرت أحد المحاضرين في علم النفس وتربية الطفل حين قال إنه واجب على الأبوين مع وصول طفلهما سن الرابعة أن يدركا مُهمتهما في تهيئته لأن يكون محبوبًا من أقرانه في المجتمع. فعندما يكون لديك طفل في الثالثة، وترغب في تقديمه إلى المجتمع عائلتك الكبيرة، أو الأسر الصديقة لك، أو جيرانك، فماذا تريد له؟! أعتقد أن كل والدين يرغبان في أن يرحب الأطفال الآخرون بابنهما وبوجوده وبمشاركته اللعب معهم، ويسعدان لوجوده بينهم، وبأن الكبار يعاملونه برفق ولطف؛ إلا أن هٰذه الخُطوة هي نتيجة تسبقها خطوات أخرى في حياة الطفل بها يكون مستعدًّا للتفاعل بإيجابية مع المجتمع. أعتقد أن أولى هٰذه الخطوات هي المحبة الحقيقية للطفل وإظهارها في عدد من المواقف، وبالأخص عندما يخطئ إذ يجب أن يدرك أن أبويه غير راضيين عن تصرفه لٰكنه لم يفقد محبتهما. الأمر الثاني هو أن تُغرس فيه المبادئ والسلوكيات الجيدة مثل: عدم مقاطعة أحاديث الكبار، والانتباه لمن يتحدث إليه، وعدم التعدي بالضرب على الآخرين بألعابه، ومشاركة رفقائه اللعب بأسلوب لائق.
فإن لم تغرس تلك السلوكيات الإيجابية في طفلك، فلن تجني سوى طفل عنيف يتحاشى الآخرون وجوده! وبذا لن يختبر الطفل إلا عالمًا من الرفض والنبذ من الأطفال الآخرين، وابتسامات متصنَّعة من الكبار؛ ولسوف تكون ردة فعله إزاء هٰذا المشهد الذي يختبره عن الحياة والآخرين هي الانعزال! إلى جانب مشكلات اجتماعية عديدة تؤدي إلى مشكلات أكبر يعانيها الجميع. إن ما يحتاجه أولٰئك هو الشعور بالقَبول وبالمحبة، مع محاولة تعديل أفكارهم وسلوكياتهم السلبية بتقبل وبهدوء وبعدم تسرع.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ