أحد أهم مبادئ الحياة التي تؤثر في حياة الإنسان، وفي كثير من الأحيان في حياة من حوله، هو السلوك بأمانة. ومن الشخصيات الكنسية التي عُرف عنها الأمانة الشديدة والتفوق العلميّ في آن: “القمص مكاري عبد الله” شيخ كهنة شبرا، الذي رحل عن عالمنا قبل أيام قليلة. وفي حقيقة الأمر، ليست هٰذه هي المرة الأولى التي يُذكر فيها اسم “القمص مكاري عبد الله” في مقالة صحفية، بل كان مثار حديث الإعلام أكثر من مرة.
حصل “القمص مكاري عبد الله” ـ “أديب عبد الله” ـ على بكالوريوس العلوم فى الرياضيات بمرتبة الشرف من “جامعة القاهرة” في مايو من عام 1949م، ثم ماچستير الرياضة التطبيقية في “النظرية النسبية العامة” من “جامعة عين شمس” عام 1959م، ثم نَال درجة الدكتوراة من “جامعة جوتنجن” بألمانيا الغربية عام 1962م في أحد التخصصات الرياضية النادرة لصعبوته وتعقيده وهو: “المتغيرات المركّبة”؛ ليضحى أحد القلائل المتخصصين في هٰذا العلم. عُين د. “أديب” معيدًا، ثم مدرسًا، ثم أستاذًا مساعدًا بقسم الرياضيات بـ”كلية العلوم جامعة القاهرة”.
بدأت حياة د. “أديب عبد الله” تأخذ منحًى جديدًا عندما اختاره “القديس البابا كيرلس السادس” في درجة الكهنوت، فتقدم باستقالته إلى رئيس قسم الرياضيات الذي رفض قَبولها قائلاً: أنا ليس عندي بديل لك، والأمانة العلمية تفرض عليَّ عدم قَبول الاستقالة. حاول د. “أديب” إيضاح الأمر بأن الاستقالة ليست من أجل عمل آخر، بل هي للتفرغ للخدمة الدينية؛ ولٰكن رئيس القسم أصر على رفضه. وعُرض الأمر على كل من عميد الكلية ورئيس الجامعة فجاء رداهما بأنه لا مانع من حضوره الجامعة، مرتديًا زيّ الكهنوت. وهٰكذا صار د. “أديب” ـ القَسّ “مكاري” ـ أول أستاذ جامعة يحاضر، وهو كاهن، في عام 1970م؛ لتكتب “جريدة الأهرام” في ٢٤/8/١٩٧0م: “أول مرة: قَسّ … يحاضر في الرياضة البحتة بجامعة القاهرة … قدم استقالته إلى «كلية العلوم» للتفرغ للخدمة الدينية، ولٰكن الكلية تتمسك به.”. عمِل القَسّ “مكاري عبد الله” بأمانة في المجال الدينيّ، مهتمًا برعيته وشعبه، وكذلك في المجال العلميّ: ليشغل منصب “أستاذ” بقسم الرياضيات، ثم رئيس مجلس القسم، حتى صار أستاذًا متفرغًا منذ عام 1988م. فاز بـ”جائزة الدولة التشجيعية”، وكذا “وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى” تقديرًا لأبحاثه العلمية. وقد حاز هٰذا الحدث الفريد اهتمامًا كبيرًا من وسائل الإعلام. على الصعيد العالميّ قدم “القمص مكاري” عديدًا من الأبحاث التي نُشرت في كبرى المجلات العالمية وعُرف باسم “بروفيسور فضل الله”. كذٰلك سافر إلى بُلدان عدة لكي يحاضر، أو ليمثل “مِصر” في المؤتمرات والندوات العلمية. وهٰكذا صار “القمص مكاري عبد الله” أيقونة مِصرية مشرفة للمِصريِّين.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ