يقولون: “المُتشائم يرى الصعوبة في كل فرصة، والمتفائل يرى الفرصة في كل صعوبة.”؛ ومع تحفظي على وصف أيّ إنسان بـ”المتفائل” أو بـ”المتشائم” ـ إذ هي صفة تصطبغ بها حياة الإنسان من خلال أسلوب التفكير الذي قرر اتباعه في حياته ـ فإن لكل منا رؤيته للأحداث وأسلوبه الخاص في تقييمها وذٰلك وَفق ما يراه وما يدركه من الأمر، إذ هناك من لا يرى سوى الصعوبة أو الألم أو الخَسارة من تلك المواقف التي تمر بحياته، وآخر يرى الطريق أو الهدف أو ما اكتسبه من هٰذه المواقف عينها على صعوبتها هٰذه؛ وهٰكذا تتحدد وتتباين مواقف كل إنسان وتتنوع أفعاله وسلوكه.
إن أحد مبادئ الحياة أن لا تحكم على ما يمر بك من مواقف من خلال لون واحد، أقصد أسلوب تفكير واحد يتخذ اللون الأسود أو الأبيض في الحياة، بل لتكُن لك نظرة شاملة عامة تجمع ما بين السلبيات والإيجابيات من كل أمر وهٰذا يذكرني بإحدى القِصص التي قرأتُها: فمع اقتراب عام 2016م من أن يُسدل ستائره، وإقبال عام جديد، جلس أحدهم ممسكًا بقلمه وبدأ في كتابة ما يجول في أفكاره عن العام المنقضي وأحداثه التي مرت بحياته. فإذا هو يجد الكلمات تنساب من داخله وتطرح نفسها أمامه على الورق، وظل يكتُب كل ما يتوارد إلى ذهنه. وبعد أن انتهى، وضع القلم إلى جواره، ثم بدأ في قراءة ما كتبه، وإذا به يصف ما مر به من أحداث: فقد أُجريت له عام 2016م عملية جراحية لإزالة المرارة تسببت في قضائه عدة أشهر ملازمًا الفراش، وأتم عامه الستين تاركًا وظيفته المحببة إلى نفسه التي ظل فيها قُرابة ثلاثين عامًا، وفي ذاك العام تُوُفِّي والده، بعد أن مرت به فاجعة رُسوب ابنه في بكالوريوس كلية الطب إثر حادثة سيارة منعته عن الدراسة عدة أشهر؛ ثم ختم كتابته بعبارة: “يا لها من سنة بالغة السوء”!!
وبينما الزوج سارح الفكر، إذ تَطرُق زوجته باب الغرفة وتدخل لتجده وقد اعترته حالة من الشرود والوجوم الشديدين، حتى إنه لم يلحظ دخولها. اقتربت إليه بخطوات تكاد لا تُسمع لتقع عيناها على كلمات تلك العبارة التي كانت بين يديه؛ فتركت الغرفة في هدوء دون أن تتحدث ولو بكلمة واحدة، لٰكنها عادت بعد قليل حاملةً في يدها ورقة أخرى لتضعها جوار الورقة التي كتبها زوجها؛ فوجئ الزوج بالورقة ليجد بها الكلمات التالية: … وللحديث بقية …
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ