بدأنا الحديث في المقالة السابقة عن بعض النقاط على هامش منتدى “حوار الشرق والغرب” الذي عُقد في “إيطاليا”، منها: أنه لا يُمْكن إنسانًا أن يسير بمفرده في طريق الحياة، وأن هناك اختلافات، وعلينا أن نقبل وجودها ونتعلم كيفية التعايش مع الآخرين.
ثالثًا: لا تنتظر التغيير بل ابدأ التغيُّر؛ فالتغير يبدأ من ذات الشخص أولاً، وقبل أن يطلب الإنسان يد المصافحة من الآخرين، أيِ السلام والمحبة، عليه أن يتعلم أولاً كيفية تقديمها مصافحًا. أمّا الكلمات والشعارات التي يرددها الإنسان في حياته دون أن يعمل بها فلن تؤتي بالثمار المرجوة؛ لذٰلك على كل إنسان أن يجلس إلى نفسه بصدق ويجيب عن بعض الأسئلة ـ ومرة ثانية أؤكد أن الإجابة هي لك أنت فهي بمنزلة حوار صريح مع النفس: هل أريد بناء الوطن والمجتمع؟ إن كانت: نعم؛ فما هو الطريق إلى البناء؟ وإن كانت: لا؛ فما هي نتيجة عدم البناء؟ وهل يؤثر ذٰلك بأي أسلوب في حياتي وحياة أسرتي؟ أمّا إن كنت تريد البناء ولٰكن في أعماقك طاقة غضب، فعليك بتحويل ذٰلك الغضب إلى طاقة عمل واستثمار ونجاح بدلاً من الانتقام والهدم.
أرسل أحدهم إليَّ ڤيديو قصيرًا يروي ملخص قصة حقيقية عن شاب أحب فتاة وأراد أن يتزوجها، ولٰكنها كانت دائمة الخلاف معه بسبب حالته المادية الضعيفة وعدم قدرته على شراء ما ترغب فيه؛ إلى أن جاءت لحظة طلبت منه أن يتركها! فهي ترى أن الحياة بينهما لن تسير وَفق أحلامها وما تتمناه؛ رحل الشاب حزينًا. وتمر سنوات، لنجد الفتاة في صحبة زوجها في فندق فخم، فهي قد تزوجت من شاب ناجح يعمل بشركة ويتقاضى راتبًا كبيرًا جدًّا. وفي تلك الليلة، يلتقي زوجُها صاحبَ الشركة التي يعمل بها، ويقدم إليه زوجته؛ لتجده ذٰلك الشاب الذي رفضته يومًا!! يحييها الشاب بهدوء ويبتسم ويرحل!! ما أراه في تلك القصة هو قدرة ذٰلك الشاب في تحويل طاقة الحزن والألم والغضب في أعماقه إلى طاقة عمل ونجاح. فماذا لو كان استسلم لمشاعره السلبية؟ ماذا سوى التدمير: تدمير الآخر وتدمير نفسه؟!!
إن الحياة والمجتمع ليسا هما وجودًا لي أو لك فقط بل إنهما لنا معًا، أي للجميع، ودورنا أن نتعلم كيف يمكننا التعايش في سلام: كل منا يحترم الآخر، ويقدر خصوصياته، ومعتقداته، وإيمانياته، وثقافته؛ ونحن سائرون جنبًا إلى جنب في طريق البناء. أعتقد أن هٰذا ما نحتاجه الآن، وما يحتاج إليه العالم، إن أراد السلام.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ