يحتفل أقباط “مِصر” والعالم في التاسع من مارس القادم باليوبيل الذهبيّ على نياحة “القديس البابا كيرلس السادس” (السادس عشَر بعد المئة في بطاركة الكرسيّ المَرقسيّ)، الذي أعلنت الكنيسة قداسته يوم الخميس الموافق العشرين من يونيو عام 2013م، بعد مرور 43 عامًا على انتقاله من العالم.
أراد “البابا كيرلس السادس” أن يعيش غريبًا ويموت غريبًا، لكن إرادة الله اختارت له أن يصير بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية؛ نعم هرب من العالم إلى حياة الرهبنة المتقشفة مكرسًا حياته لله، لٰكن الله أقامه راعي الرعاة إذ كان راعيًا بحسب قلبه، فتحقق فيه قول “الكتاب”: “وَأُعْطِيكُمْ رُعَاةً حَسَبَ قَلْبِي، فَيَرْعُونَكُمْ بِالْمَعْرِفَةِ وَالْفَهْمِ.”.
سيرته
بدأت رحلة حياة “عازر يوسف عطا” (“القديس البابا كيرلس السادس”) في الثامن من أُغسطس عام ١٩٠٢م، ببلدة “طوخ النصارى”. وقد عاش مع أسرته في “دمنهور”، التي انتقلت بعد ذٰلك إلى “الإسكندرية”. وبعد حصوله على “البكالوريا”، عمِل في شركة “كوك شيبينج” للملاحة بـ”الإسكندرية” عام ١٩٢١م.
اشتاق “عازر” إلى حياة الرهبنة، فقرر أن يدرب نفسه على حياة الوَحدة والخُلوة والصوم والصلاة، ثم تقدم بعد ذلك باستقالته وهو ما أدهش الجميع، محاولين صرف عزيمته، لٰكنه أصر على الطريق الذي اختاره لنفسه. ذهب “عازر” إلى “دير السيدة العذراء” الشهير بالـ”بَرَموس”؛ ثم سِيم به راهبًا في الخامس والعشرين من فبراير عام 1928م باسم “مينا البَرَموسيّ”. درس بالمدرسة اللاهوتية بـ”حُلوان”، ثم سِيم قَسًّا في يوليو عام ١٩٣١م. وقد رفض “القَس الراهب مينا البرَموسي” أن يُرسم أُسقفًا فهرب إلى “دير القديس أنبا شنوده رئيس المتوحدين” بسوهاج؛ إذ كان الله يُعده لمهمة أخرى. وبعد عودته إلى ديره، توحد في مغارة في الصحراء تبعُد عن الدير ساعةً سيرًا على الأقدام.
في عام 1936م، انتقل “الراهب القَس مينا البرَموسي” إلى مِنطقة صحراء مصر القديمة، ليعيش في طاحونة عُرفت فيما بعد بـ”طاحونة البابا كيرلس”. وقد اهتم “الراهب مينا المتوحد” بالصلاة يوميًّا؛ فبدأت حياته تجذب كثيرين إليه إذ كانت ضوءًا يُنير الطريق لهم؛ ولمَ لا، وهو من قال عنه مديره الأستراليّ: “إن هٰذا الشاب علَّمني كيف أحترمه”؟! كذٰلك قال عنه د. “حسن فؤاد” مدير الآثار العربية: “يا أبي: لقد رفعتَ رأس الرهبان، وشرَّفتَ الرجل المِصريّ، فلك مني تحية حارة!”.
وفي عام 1941م، أُسندت إلى “الراهب القَس مينا البرَموسي” رئاسة “دير أنبا صموئيل المعترف” بجبل القَلَمون، وفي تلك الأثناء رُقِّي قُمَّصًا؛ وكان يتنقل بين الطاحونة والدير. إلا أن اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) لم يمكن “القمص مينا المتوحد” من استكمال وَحدته بالطاحونة؛ فعاش مترددًا بين “دير الملاك القبليّ” و”كنيسة العذراء ببابليون الدَّرَج”. وفي عام 1947م، بنى كنيسة على اسم القديس الشهيد “مار مينا العجائبيّ”، ثم أقام مسكنًا للطلبة عام 1949م.
كانت العناية الإلهية قد اختارت “القمص مينا المتوحد” لمهمة الرعاية والاهتمام برعية القديس مار مرقس الرسول، فجاء عدد من العلامات منها الحلم الذي رواه “القمص مينا المتوحد” لبعض المقربين منه وكان لا يزال راهبًا يعيش في الطاحونة، فقد ظهر “البابا يوأنس التاسع عشر” في حُلم “للقمص مينا المتوحد”، وقال له: “اُنظر يا «أبونا مينا»: عصا الرعاية انكسرت مني في أثناء صُعودي الجبل، فأنا حزين عليها جدًّا.”. فقال له: “يتفضل سيدنا ويتركها لي قليلاً؟”؛ فأعطاه إياها، فأصلحها وأعادها له. ففرِح البابا وقال له: “خُذها يا «أبونا مينا»، قد وهبتُها لك.”؛ فتسلمها من يده.
وقد سيم “القمص مينا المتوحد” بطريركًا في العاشر من مايو 1959م. أمّا عن اختيار الاسم البطريركيّ، ففيه قصة … وفي “مصر الحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ