No Result
View All Result
أيام قليلة تفصلنا عن «عيد الغطاس» الذى يُحتفل به فى الحادى عشر من طوبة وفقًا للتقويم القبطىّ (١/١٩ بحسب التقويم الميلادىّ)، والذى يسمى باللغة اليونانية «الثيؤفانيا» أى «الظهور الإلٰهىّ»، وفيه يُعيَّد ليوم عماد السيد المسيح على يد القديس «يوحنا المَعمَدان» فى نهر الأردن، فيذكر الكتاب: «حِينَئِذٍ جَاءَ يَسُوعُ مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى الأُرْدُنِّ إِلَى يُوحَنَّا لِيَعْتَمِدَ مِنْهُ. وَلكِنْ يُوحَنَّا مَنَعَهُ قَائِلًا: (أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَأْتِى إِلَىَّ!» فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «اِسْمَحِ الآنَ، لِأَنَّهُ هٰكَذَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرّ). حِينَئِذٍ سَمَحَ لَهُ. فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ، وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ اللهِ نَازِلًا مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِيًا عَلَيْهِ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلًا: (هَٰذَا هُوَ ابْنى الْحَبِيبُ الَّذِى بِهِ سُرِرْتُ)».
و«يوحنا المَعمَدان» من أبرز شخصيات حدث الغطاس، بل من أعظم الشخصيات التى مرت بالتاريخ، فهو من شهِد له السيد المسيح أنه أفضل من نبىّ: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ يَقُمْ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ»، وهو من تنبأ عنه «ملاخى النبىّ» بأنه يسبق مجىء المَسِيّا المنتظر: «هَٰأَنَذَا أُرْسِلُ مَلاَكِى فَيُهَيِّئُ الطَّرِيقَ أَمَامِى»؛ وقد أكد السيد المسيح أن «يوحنا المَعمَدان» هو النبىّ المقصود بتلك الكلمات، قائلًا: «فَإِنَّ هَٰذَا هُوَ الَّذِى كُتِبَ عَنْهُ: هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلَاكِى الَّذِى يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ».
وميلاد القديس «يوحنا المَعمَدان» كان معجزيًّا فائقًا: كان والداه «زكريا الكاهن» و«أليصابات» شيخين بارين متقدمين فى أيامهما، وبينما كان أبوه يقوم بخدمته «ظَهَرَ لَهُ مَلَاكُ الرَّبِّ وَاقِفًا عَنْ يَمِينِ مَذْبَحِ الْبَخُورِ. فَلَمَّا رَآهُ زَكَرِيَّا اضْطَرَبَ وَوَقَعَ عَلَيْهِ خَوْفٌ. فَقَالَ لَهُ الْمَلَاكُ: لَا تَخَفْ يَا زَكَرِيَّا، لِأَنَّ طِلْبَتَكَ قَدْ سُمِعَتْ، وَامْرَأَتُكَ أَلِيصَابَاتُ سَتَلِدُ لَكَ ابْنًا وَتُسَمِّيهِ يُوحَنَّا. وَيَكُونُ لَكَ فَرَحٌ وَابْتِهَاجٌ، وَكَثِيرُونَ سَيَفْرَحُونَ بِوِلَادَتِهِ، لِأَنَّهُ يَكُونُ عَظِيمًا أَمَامَ الرَّبِّ، وَخَمْرًا وَمُسْكِرًا لَا يَشْرَبُ، وَمِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَمْتَلِئُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. وَيَرُدُّ كَثِيرِينَ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ إِلٰهِهِمْ»؛ وهٰكذا تسمى الطفل «يوحنا» (أى «الله يتحنن») من السماء، وأعلنت أنه هو فرح لكثيرين، وعظيم أمام الله، ورسالته أن يدعو الشعب إلى التوبة ويرد كثيرين منه إلى الله، فى زمن ظلامىّ استشرت فيه صنوف الشر. وقد تنبأ عنه أبوه: «وَامْتَلأَ زَكَرِيَّا أَبُوهُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَتَنَبَّأَ قَائِلًا:… وَأَنْتَ أَيُّهَا الصَّبِىَّ نَبِىَّ الْعَلِىِّ تُدْعَى، لِأَنَّكَ تَتَقَدَّمُ أَمَامَ وَجْهِ الرَّبِّ لِتُعِدَّ طُرُقَهُ. لِتُعْطِىَ شَعْبَهُ مَعْرِفَةَ الْخَلاَصِ بِمَغْفِرَةِ خَطَايَاهُمْ، بِأَحْشَاءِ رَحْمَةِ إِلٰهِنَا الَّتِى بِهَا افْتَقَدَنَا الْمُشْرَقُ مِنَ الْعَلاَءِ. لِيُضِيءَ عَلَى الْجَالِسِينَ فِى الظُّلْمَةِ وَظِلَالِ الْمَوْتِ، لِكَيْ يَهْدِىَ أَقْدَامَنَا فِى طَرِيقِ السَّلاَمِ».
وقد كان ميلاد القديس «يوحنا المَعمَدان» قبل ميلاد السيد المسيح بستة أشهر. ويُذكر أن حياته كنت قد تعرضت لخطر الموت بسبب أمر «هيرودس الملك» بقتل كل أطفال «بيت لحم» من سن سنتين فما دون، فحين جاء الجنود لتنفيذ حكم الموت، اختُطف الطفل «يوحنا» إلى البرّية، وعاش بها إلى يوم ظهوره إلى الشعب، ومناداته فيهم بالتوبة والرجوع إلى الله: «أَمَّا الصَّبِىُّ فَكَانَ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِالرُّوحِ، وَكَانَ فِى الْبَرَارِى إِلَى يَوْمِ ظُهُورِهِ لإِسْرَائِيلَ»؛ لقد كانت حياته منذ طفولته شاقة، فى برارى قحلة، وحيدًا عن البشر، لكنه تعزَّى بعناية الله التى لم تتركه قط.
أما عن خدمته، فكانت- على قصرها- قوية نارية، تمكنت من رد كثيرين عن الشر إلى التوبة، إذ هُرعت جموع الشعب إليه معتمدة منه فى «نهر الأردن»، وجميعهم مقرّون بخطاياهم، ثم حثهم على فعل الخير والرحمة. وفى سبيل الحق، لم يهَب إنسانًا مهما علا شأنه، فها هو «هِيرُودُس الملك» الذى رغِب يومًا فى الزواج بـ«هِيرُودِيا» امرأة أخيه، عارضه القديس «يوحنا» معلنًا الحق فى قوة: «لَا يَحِلُّ أَنْ تَكُونَ لَكَ امْرَأَةُ أَخِيكَ»، ولم ينثنِ عن إعلانه الحق حتى أدى به إلى سَجنه ثم قطع رأسه ليصبح شهيد الحق.
ذٰلك هو القديس «يوحنا المعمدان»، النبىّ الذى ذاب خجلًا أمام السيد المسيح بعدم استحقاقه أن يأتى إليه ليعمده، قائلًا: «أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَأْتِى إِلَىَّ!»، والذى قال لتلاميذه حين أخبروه أن الكل يأتون إلى السيد المسيح: «لَا يَقْدِرُ إِنْسَانٌ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِىَ مِنَ السَّمَاءِ. أَنْتُمْ أَنْفُسُكُمْ تَشْهَدُونَ لِى أَنِّى قُلْتُ: لَسْتُ أَنَا الْمَسِيحَ بَلْ إِنِّى مُرْسَلٌ أَمَامَهُ. مَنْ لَهُ الْعَرُوسُ فَهُوَ الْعَرِيسُ، وَأَمَّا صَدِيقُ الْعَرِيسِ الَّذِى يَقِفُ وَيَسْمَعُهُ فَيَفْرَحُ فَرَحًا مِنْ أَجْلِ صَوْتِ الْعَرِيسِ. إِذًا فَرَحِى هذَا قَدْ كَمَلَ. يَنْبَغِى أَنَّ ذَٰلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّى أَنَا أَنْقُصُ…».
كل عام وجميعكم بخير، و… والحديث فى «مصر الحلوة» لا ينتهى!.
No Result
View All Result