No Result
View All Result
نستكمل معًا موضوع “العدالة الاجتماعية” وما ذُكر عن أهمية أن يحصُل كل إنسان على حاجاته الأساسية، ووضوح هٰذا في الأديان جميعًا؛ فعرضنا موقف اليهودية والمسيحية والإسلام. ونكمل اليوم ما قيل في الإسلام مِن حث على الاهتمام بالفقراء والمساكين؛ ووجوب دعوة الآخرين إلى إطعام المساكين وإلا صار الإنسان غير صادق في إيمانه؛ وذٰلك بحسب سورة الماعون: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾؛ وقد يكون عدم حضه على طعام المسكين سببًا في هلاكه كقول سورة الحاقة: ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾. وأيضًا يطلب الاهتمام باليتيم والمِسكين في سورة الفجر: ﴿كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾.
ومن ثَم، يتضح جليًّا مدى اهتمام الأديان وحثها على حفظ الحياة الكريمة لكل إنسان في المجتمع. وعلى هٰذا، أصبح من الضروري أن تضمن الدولة التزود بالضرورات الأساسية من أجل الحياة الإنسانية الكريمة لأفراد شعبها كافة.
وأذكر قصة أعجبتني تتحدث عن أحد الملوك العادلين، الذي أراد أن يعلم ابنه الصغير، فأحضر له معلمًا فاضلًا حكيمًا وأطلق يده في اختيار طريقة تعليمه ومعاملته.
وذات مرة، بينما يعلِّم المعلمُ الأميرَ الصغير، سأله عن فَهمه الدرس، فأجاب الأمير الصغير بأدب جم بأنه فهِمه. فما كان من المعلم إلا أن فاجأ الأمير بصفعة هائلة على وجهه!! وتساءل الأمير في نفسه بذهول وحيرة عما فعله حتى يستحق هٰذا؛ فقد أجاب أسئلة معلمه وأدى مهامه!! وظل السؤال حبيس عقله.
وبعد ثلاثين عامًا، أصبح الأمير ملك البلاد، وتذكر ظلم معلمه له وأراد الانتقام، فأرسل في طلبه حتى يحكم عليه بالموت. وعندما حضر، سأله الملك: أتعْرِف لِمَ طلبتُك؟ فرد المعلم: نعم. فسأله الملك: لِمَ لطمتني مع إنني لم أُذنب؟! أجاب المعلم: أكُلّ هٰذه السنين لم تُنسِكَ الصفعة؟! لقد أردتُ أن تشعُر بمعنى الظلم وآلامه حتى متى أصبحتَ ملكًا لا تظلم.
إن “العدالة الاجتماعية” تستهدف في أعماقها ـ إلى جانب الابتعاد عن الظلم وأن يتمتع الجميع بعدالة الحكم؛ نائلًا كل فرد حقه ـ رفع الإنسان ليحيا بكرامة تليق بإنسانيته.
والعدالة في الحكم محور اهتمام الأديان قبل أن تكون محور اهتمام المواثيق والقوى المجتمعية الدولية. فنجد الله يطلب من الشعب أن يتعلم فعل الخير فيقول: “ٱطْلُبُوا الْحَقَّ. ٱنْصِفُوا الْمَظْلُومَ. ٱقْضُوا لِلْيَتِيمِ. حَامُوا عَنِ الْأَرْمَلَةِ.” وما طلبه الله أقرته بعد قرون ممتدة القوانين والمواثيق الدُّولية الخاصة بحقوق الإنسان؛ من: حفاظ على كرامته الإنسانية، وأن يعامَل الجميع بتساوٍ؛ تحت مظلة القانون دون ممارسة أيّ سياسات عنف أو إيذاء.
وإزاء طلب الله من شعبه فعل الخير ببث العدالة، فإن أي تقصير فيها لا يعني إلا فعل الشر. ومن هنا يصبح سعي الإنسان على المستوى الروحيّ باطلًا ـ ناهيك بالآثار المدمرة للمجتمع نتيجة عدم العدالة ـ ويكون حكم الله على الظالم وعلى المجتمع الذي لا يعرف العدالة هو “الويل”.
وكمثال: النزاع الذي كان بين الملك “آخاب” وأحد رعاياه “نابوت” على بستان يجاور أراضيه فأراد ضمه إليها. ولما طلب شراءه رفض الرجل فاغتم الملك، فبدأ التحايل للاستيلاء عليه. فأقام شهود زور بأن “نابوت” جدَّف على الله وعلى الملك، وحُكم عليه بالرجم ومات. فكان حكم الله أن المكان الذي مات فيه الرجل يكون هو نفسه الذي يموت فيه الملك؛ وهٰكذا حَكم الله بالعدل.
وفي مقابل هٰذا، مثال آخر لسليمان الملك الحكيم الذي حكم بالحق والعدل بين الناس حتى إن جميع الشعب هابه؛ إذ رأَوا فيه الحكمة التي وهبها الله له وقد أحسن هو استخدامها لإجراء الحكم العادل بينهم.
فالمجتمع الذي لا يُبنى على العدل بين جميع البشر معرَّض لا محالة للتصدع والهشاشة والانهيار. ومن هنا وجَب على الدولة متمثلة في حكومتها ـ ودورها الحفاظ على أرواح مواطنيها وحماية حقوقهم كلهم ـ أن تُقيم العدل وتُجريه بينهم، لكي يثبُت المجتمع و يستقر و … وللحديث بقية …
الأسقف العام ورئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ
No Result
View All Result