تحدثت المقالة السابقة عن “البابا ميخائيل الثاني” (١٠٩٢- ١١٠٢م)، الذي تنيح بعد إصابته بالطاعون، والذي تُوفي في أيامه “أمير الجيوش” وتولى من بعده ابنه “الأفضل”. ثم تُوفي الخليفة “المستنصر بالله” (٤٢٧-٤٨٧هـ) (١٠٣٦-١٠٩٤م) وتولى الحكم من بعده ابنه “المستعلي بالله”. وقد ذكرت مقالات سابقة أن الدولة العباسية آنذاك كانت تحت حكم الخليفة “المقتدي بأمر الله” (٤٦٧-٤٨٧هـ) (١٠٧٥-١٠٩٤م)، الذي جدد أمجادها، والذي ذُكر عنه الهمة والشجاعة والتقوى، وإلى جانبه كان كل من القائم بأمور الدولة السلطان السَِّلْچُوقيّ “مَلِكشاه” المعروف بالشجاعة والعدل وصواب الرأي، والوزير “نظام الدولة” الذي قيل فيه: “من أكابر العلماء، تقيًّا فاضلاً، محبًّا للعلم وذويه.”؛ فعظُم شأن الدولة العباسية ذٰلك الزمان. وفي سنة ٤٨٥هـ (١٠٩٢م)، قُتل “نظام الدولة”، وتُوفي “مَلِكشاه”؛ ثم كانت وفاة الخليفة “المقتدي بالله” سنة ٤٨٧هـ (١٠٩٤م)؛ ثم تولى أمور الخلافة من بعده ابنه “المستظهر بالله”.
الخليفة أبو العباس أحمد “المستظهر بالله” (٤٨٧-٥١٣هـ) (١٠٩٤-١١١٨م)
الثامن والعشرون في خلفاء “الدولة العباسية”؛ تولى الخلافة بعد وفاة أبيه “المقتدي بالله”، ولم يكُن قد تجاوز السادسة عشْرة إلا ببضعة أشهر. امتد حكمه إلى ما يزيد على عَقدين من الزمان؛ ويذكر أ. “حسن خليفة” أستاذ التاريخ والاقتصاد: “وقد جلس («المستظهر بالله») على عرش الدولة نحو أربعة وعشرين عامًا، وفي أثنائها حدثت حوادث خطيرة الشأن في المملكة الإسلامية في الشرق والغرب.”؛ فقد وقع اضطراب شرقًا إذ دبت صراعات بين أمراء “الدولة السَِّلْچُوقية” وسلاطينها أدت إلى تفرقهم وانحلال سلطانهم؛ مع انشغالهم بالحروب الداخلية والثوْرات الأهلية. أما غربًا، فقد شُغلت الدولة العباسية بالتصدي لمحاولة الفرنجة (المعروفة تاريخيًّا بـ”الحروب الصليبية) للاستيلاء على “أورُشليم” (“بيت المقدس”) التي احتُّلت فعلاً سنة ٤٩٢هـ (١٠٩٩/١٠٩٨م). وهٰكذا اضطربت الأحوال السياسية والمدنية وساءت في أنحاء “الدولة العباسية”، وبالأخص مع انتشار الدعوة “الباطنية” بـ”أصبهان” سنة ٤٩٢هـ (١٠٩٩/١٠٩٨م)، واستفحال أمرها بـ”العراق” سنة ٤٩٤هـ (١١٠٠م) بعد كثرة قتل أصحاب تلك الدعوة للناس، حتى إن الأمراء كانوا يَلبَسون الدُّروع تحت ثيابهم لقتل الناس!!!
الدولة السَِّلْچُوقية في عهد “المستظهر بالله”
بعد موت السلطان “مَلِكشاه”، بدأ اضطراب الدولة السَِّلْچُوقية؛ فثارت الحروب الداخلية والقلاقل كل أرجائها، كما اندلعت الحروب بين السلطان “بَرْكيارُوق” وعمه تاج الدولة “تُتُش بن أَلْپ أَرْسلان” مؤسس الدولة السَِّلْچُوقية بـ”سوريا”، وبعد موت “تاج الدولة” شبت الثوْرات بين الأخوين “بَرْكيارُوق” و”مُحمد” واحتدم نزاعهما واقتتالهما حتى سنة ٤٩٨هـ. وعلى الرغم من موت “بَرْكيارُوق”، فإن الاضطرابات بين الأمراء السَِّلچوقيين لم تهدأ حتى موت السلطان “مُحمد” سنة ٥١١هـ (١١١٧م).
مرِض “المستظهر بالله” بعلة “التراقي”، ثم تُوفي وله إحدى وأربعون سنة ونصف السنة، بعد خلافة أربعة وعشرين سنة وبضعة أشهر؛ وقال فيه “ابن الأثير”: “كان ليّن الجانب، كريم الأخلاق، يحب اصطناع الناس (الإحسان إلى الناس كثيرًا)، ويفعل الخير، ويسارع إلى أعمال البر والمَثُوبات (المَثُوبة أو المَثْوَبة: الثواب)، مشكور المساعي، لا يرد مكرُمة تُطلب منه. وكان كثير الوثوق بمن يوليه، غير مصغٍ إلى سعاية ساعٍ ولا ملتفت إلى قوله، ولم يُعرف منه تلون، وانحلال عزم بأقوال أصحاب الأغراض … وكان حسَن الخط، جيد التوقيعات، لايقاربه فيها أحد، تدل على فضل غزير، وعلم واسع.”؛ وكان فصيحًا بليغًا، وله أشعار. ويعلق “ابن الأثير” على وفاة الخليفة “المستظهر بالله”: “من غريب الاتفاق: أنه لما تُوفي السلطان «أَلْپ أرسلان» تُوفي بعده «القائم بأمر الله»، ولما تُوفي السلطان «مَلِكشاه» تُوفي بعده «المقتدي بأمر الله»، ولما تُوفي السلطان «مُحمد» تُوفي بعده الـ«مستظهر بالله»”!!!
وقد اتفق المؤرخون أن أيام حكم “المستظهر بالله” امتلأت بالاضطرابات والحروب، و…والحديث في “مِصر الحلوة” لا ينتهي! وت …والحديث في “مِصر الحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ