“المسيح قام، بالحقيقة قام.”؛ كانت هٰذه هي تحية المَسيحيين منذ العصور الأولى للكنيسة، تحية تأكيد لقيامة السيد المسيح من بين الأموات، كاسرًا شوكة الموت، مثلما عبّر القديس “بولس الرسول”: “«أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتكِ يا هاوية؟».” (١ كُورِنثوس ١٥: ٥٥). كان الموت في “العهد القديم” أمرًا مرعبًا؛ إذ كان مصير الجميع، أبرارّا كانوا أم أشرارّا، هو الهاوية، وذٰلك بعد أن سرى في الجميع حكم الموت. وكان الجميع يدركون أنهم هابطون إلى الهاوية لا محالة؛ فقد قال أبونا “يعقوب” بعد فقد ابنه “يوسف”: “«إني أنزل إلى ابني نائحًا إلى الهاوية».” (التكوين ٣٧: ٣٥)، وقال “أيوب البارّ”: “يقضون أيامهم بالخير. في لحظة يَهبِطون إلى الهاوية.”. (أيوب ٢١: ١٣)، ويذكر “سليمان الحكيم”: “كل ما تجده يدك لتفعله فافعله بقوتك، لأنه ليس من عمل ولا اختراع ولا معرفة ولا حكمة في الهاوية التي أنت ذاهب إليها”. (الجامعة ٩: ١٠). وهٰكذا انتظرت البشرية طويلاً إلى أن جاءت قيامة السيد المسيح، إعلانًا للحياة التي وُهبت للبشر، بعد أن أوفي ما عليهم من دين أمام العدل الإلٰهي، فتبدل الحال وبات الموت طريقًا نحو حياة أبدية: “لأنه كما في آدم يموت الجميع، هٰكذا في المسيح سيحيا الجميع.” (١ كُورِنثوس ١٥: ٢٢).
وقيامة السيد المسيح فريدة متفردة، إذ قام الرب بقوة لاهوته؛ وما كانت دحرجة الحجر إلا إعلانًا لقيامته من الأموات، ناقضًا الحاجز بين الله والبشر؛ ليعود للإنسان سلامه الذي فقده بعد طرده من “جنة عَِدْن”؛ ومن ثَم كانت قوة كرازة آبائنا الرسل بـ”القيامة” في كل مكان وإلى كل إنسان: “وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع، ونعمة عظيمة كانت على جميعهم …”. (أعمال الرسل ٤: ٣٣)، بل حين أرادوا انتخاب تلميذ بدلاً من “يهوذا الإسْخَرْيُوطيّ”، قال القديس “بطرس الرسول”: “… فينبغي أن الرجالالذين اجتمعوا معنا كل الزمان الذي فيه دخل إلينا الرب يسوع وخرج، منذ معمودية يوحنا إلى اليوم الذي ارتفع فيه عنا، يصير واحد منهم شاهدًا معنا بقيامته».” (أعمال الرسل ١: ٢١-٢٢): أي إن تلميذ السيد المسيح يجب أن يكون قد شاهده وتبِعه طوال خدمته – الممتدة ثلاث سنوات وثلث السنة تقريبًا – لتكون له الشهادة بالقيامة. وقد حاول الكهنة ورؤساء اليهود وشيوخهم إنكار قيامة السيد المسيح بكل وسيلة، وكان موقفهم العدائيّ واضحًا إزاء بشارة الرسل بها: “… متضجرين من تعليمهما الشعب، وندائهما في يسوع بالقيامة من الأموات”. (أعمال الرسل ٤: ٢).
وقيامة السيد المسيح حقيقة جلية، فقد ظهر للتلاميذ وللرسل ولكثيرين بعد قيامته؛ فيذكر معلمنا “بولُس الرسول”: “… أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب، وأنه دُفن، وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب، وأنه ظهر لصفا ثم للاثني عشر. وبعد ذٰلك ظهر دُفعة واحدة لأكثر من خَمسمئة أخ، أكثرهم باقٍ إلى الآن. ولٰكنّ بعضهم قد رقدوا. وبعد ذٰلك ظهر ليعقوب، ثم للرسل أجمعين”. (١ كورنثوس ١٥: ٣-٧)؛ فللقيامة عدد كبير من الشهود، وصارت بشارة الفرح التي كرز بها الآباء الرسل إلى العالم بأسره، باذلين حياتهم من أجل إيمانهم، حتى عبروا جسر الموت إلى قيامة الحياة الأبدية.
أهنئكم جميعًا بـ”عيد القيامة” المجيد، متضرعًا إلى الله أن يَعُم بسلامه على العالم، ويرفع عنه الوباء، وأن يبارك بلادنا بكل خير وسلام وهدوء وطُمأنينة.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ