إن كنا نحتفل اليوم بـ”عيد الميلاد المجيد”، فإن الله كان يُعد البشرية على مر تاريخها ويُمهد لذٰلك الميلاد العجيب، بإعلانات متنوعة: النُّبوات، والرُّموز، والنَّجم، والملائكة.
النُّبواتمن اللحظات الأولى لسقوط الإنسان وانفصاله عن الله وهٰكذا انفصاله عن الحياة وسريان الموت فيه: “… كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهٰكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع.” (رو 5: 12)؛ قدم الله وعده للبشرية: “… وأضع عداوة بينكِ وبين المرأة، وبين نسلكِ ونسلها. هو يسحق رأسكِ، وأنت تسحقين عقبه».” (تك 3: 15)، ثم قدم الله وعده إلى أب الآباء “إبراهيم”: “ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض” (تك 22: 18)، وأبينا “يعقوب”: “ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض” (تك 28: 14). وقد قدم أنبياء “العهد القديم” نُبوءات الميلاد لتقترب أكثر فأكثر من تحديد ملامح شخص الطفل العجيب الذي يتمم وعد الخلاص والمصالحة بين الأرض والسماء: فذكر “إِشَعْياء النبيّ” أنه مولود من “عذراء”: “… ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه «عمانوئيل».” (إش 7: 14)، وتنبأ: “لأنه يولَد لنا ولد ونُعطَى ابنا، وتكون الرئاسة على كَِتِْفه، ويُدعى اسمه عجيبًا، مشيرًا، إلٰهًا قديرًا، أبًا أبديًّا، رئيسَ السلام.”. (إش 9: 6)، وحدد “ميخا النبيّ” مكان ميلاد السيد المخلِّص: “«أمّا أنت يا بيت لحم أفراته، وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنكِ يخرج لي الذي يكون متسلطًا على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم، منذ أيام الأزل».” (مي 5: 2)؛ ونجد ذٰلك واضحًا في قصة ميلاد طفل المذود في أيام “هيرودُس” الملك الذي التقى مجوس المشرق الآتين إلى “أورُشليم” ليسجدوا له، واضطرب هو وجميع رؤساء الكهنة وكتبة الشعب حين سمع بالنبإِ وسألهم عن مكان ميلاد السيد المسيح، فأجابوه أنه في “بيت لحم” اليهودية، مستشهدين بنبوءة “ميخا النبيّ”. وتستمر النبوءات عن الطفل وليد المذود حتى نصل إلى نبوءة “سمعان الشيخ” حين حمله بين يديه: “«الآن تُطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام، لأن عينيَّ قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب …” (لو 2: 29-31).
الرُّموزأيضًا قدم الله رموزًا لشعبه عبر العصور عن ذٰلك الميلاد العجيب وعن المخلِّص: فكان “تابوت العهد” الذي كان موسى يتحدث مع الله من فوق غطائه في “خيمة الاجتماع” حيث كان الله يلتقي شعبه، وأيضًا “عصا هارون” التي أفرخت في رمز إلى ميلاد السيد المسيح من عذراء.
النَّجمقدم الله إعلانًا آخر عن الميلاد: في ذٰلك النَّجم العجيب الذي تتبعه مجوس المشرق، والذي لم يكُن نَجمًا عاديًّا كسائر النُّجوم، إنما كان ظهورًا لقوة سماوية اتخذت هٰذا الشكل لإهداء المجوس إلى حيث يولد السيد المسيح؛ ويتضح ذٰلك: من طريقة سيره من الشَِّمال إلى الجنوب عكس حركة سائر النُّجوم، ومن موعد ظهوره أثناء النهار ما جعله أشد إضاءة من الشمس! ثم اختفائه وظهوره: فقد اختفى في “أورُشليم”، ليعود إلى الظهور قائدًا المجوس إلى “بيت لحم”.
الملائكةأعلنت السماء ميلاد السيد المسيح عندما كشف ملاك الرب للرعاة (لو 2: 8-13) عن ميلاد المخلِّص: “لا تخافوا! فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب: أنه وُلد لكم اليوم في مدينة داود مخلِّص هو المسيح الرب.”، ثم قدَّم لهم علامة: “… وهٰذه لكم العلامة: تجدون طفلاً مقمَّطًا مضجَعًا في مذود».”؛ لتتردد فجأة أصداء تسبيح الملائكة في سماء “بيت لحم” بأنشودتهم الخالدة: “«المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة».”.
أهنئكم بـ”عيد الميلاد المجيد”، طالبًا إلى الله أن يكون هٰذا العام للسلام وللخير وللبركات. وكل عام وجميعكم بخير.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ