أهنئكم جميعًا بالعام الجديد 2022م، وبـ”عيد الميلاد المجيد”، راجيًا لكم جميعًا كل خير وسلام وفرح، ونضرع إلى الله محب البشر أن يرفع عن بلادنا “مِصر” والعالم المرض والوباء والضيقات.
في “عيد الميلاد المجيد”، تجلت محبة الله للإنسان؛ إذ تنازل ونزل إلى أرضنا وتجسد كي يصالح الأرضيين مع السمائيين، فاتحًا لنا باب السماء، معيدًا لنا الحياة التي فُقدت. إن محبة الله الغامرة للبشر هي من الأزل؛ فقد كان الإنسان في فكر الله وفي قلبه يحمل له حبًّا عظيمًا: “فرِحة في مسكونة أرضه، ولَذَّاتي مع بني آدم.” (أم 8: 31)؛ وهٰكذا أحب الله الإنسان فخلق له الكون في دقة شديدة، بما يحتوي من حيوانات وطبيعة جميلة؛ وتعبّر الكنيسة عن تلك المحبة الفائقة في صلواتها: “من أجل تعطفاتك الجزيلة كوَّنتني إذ لم أكُن. أقمتَ السماء لي سقفًا، وثبَّتَّ لي الأرض لأمشي عليها. من أجلي ألجمتَ البحر. من أجلي أظهرتَ طبيعة الحيوان. أخضعتَ كل شيء تحت قدميَّ. لم تدَعني مُعوَزًا شيئًا من أعمال كرامتك”.ومن محبة الله للإنسان أنه خلقه على صورته: “َوقال الله: «نعمل الإنسان على صورتنا كشَبَهنا …” (تك 1: 26).
وأحب الله الإنسان فقدم له الوعد بالفداء والخلاص من الموت والهلاك الأبديين بعد أن أخطأ وصار الموت والهلاك الأبدي مصيره: “… وأضع عداوة بينكِ وبين المرأة، وبين نسلكِ ونسلها. هو يسحق رأسكِ، وأنت تسحقين عَقِبه».” (تك 3: 15). وإلى أن تحقق الوعد بميلاد المخلِّص، لم يترك الله البشرية تتخبط في طريق الحياة، بل أرسل الأنبياء ليعرِّفوا الإنسان الطريق إلى الله لئلا يَهلِك بل يحيا على رجاء الفداء كل من يسلك بحسب وصاياه، كذٰلك أشفق على الخطاة ودعاهم إلى التوبة لأجل خلاصهم، فيتحدث إلى “يونان النبيّ”: “أفلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة التي يوجد فيها أكثر من اثنتي عشرة ربوة من الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شِمالهم، وبهائم كثيرة؟»” (يون 4: 11)، ويقول إن مسرة قلبه هي توبة الخطاة: “هل مسرة أُسر بموت الشرير؟ يقول السيد الرب. ألا برجوعه عن طرقه فيحيا؟” (حز 18: 23)؛ وهٰكذا ظل الله يعمل لأجل خلاص البشر: “كنتُ أجذِبهم بحبال البشر، برُبُط المحبة، وكنتُ لهم كمن يرفع النِّير عن أعناقهم، ومددتُ إليه مُطعِما إياه”. (هو 11: 4).
وفي محبة الله للإنسان أعد الإنسانية لاستقبال المخلِّص؛ فذكر “إِشَعْياء النبيّ” أنه مولود من “عذراء”: “… ها العذراء تَحبَل وتلد ابنًا وتدعو اسمه «عمانوئيل».” (إش 7: 14)، وتنبأ: “لأنه يولَد لنا ولدٌ ونُعطَى ابنًا، وتكون الرئاسة على كَِتِْفه، ويُدعى اسمه عجيبًا، مشيرًا، إلٰهًا قديرًا، أبًا أبديًّا، رئيسَ السلام.”. (إش 9: 6). ثم أعلن محبته للبشر بأن أتى بذاته، آخذًا سمات إنسانيتنا، عائشَا بيننا؛ لذٰلك دُعي اسمه: “عمانوئيل”؛ الذي تفسيره “الله معنا” ـ وفي الترجمة الدقيقة: “الله نصبَ خيمتَه بيننا”؛ لقد أخلى نفسه آخذًا صورة عبد، أخذ جسدًا وعاش به على أرضنا، بذل نفسه فديةً لأجلنا: “لكنه أخلى نفسَه، أخذًا صورة عبد، صائرًا في شِبه الناس”. (في 2: 7)
إن الميلاد هو هدية الله إلى البشرية؛ لذٰلك ترنمت الملائكة في أنشودتها الخالدة: “«المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة».”(لو 2: 14). وهٰكذا صار الميلاد يومًا فارقًا في التاريخ الإنسانيّ إذ فيه أعلن الله محبته الفائقة للبشر التي أخبر بها “إرميا النبيّ”: “«ومحبة أبدية أحببتُكِ، من أجل ذٰلك أدَمتُ لكِ الرحمة …” (إر 31: 3)، والتي ذاقها “القديس أغسطينوس” فعبّر عنها: “تسهر عليَّ، وكأنك قد نسيتَ الخليقة كلها! تهبني عطاياك، وكأني وحدي موضوع حبك!”.وإزاء هٰذه المحبة لا يسعنا إلا أن نستقبلها بالحب، فنحن نحبه لأنه أحبنا أولاً.
كل عام وجميعكم بخير.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي