أهنئكم جميعًا بالعام الجديد و”عيد الميلاد المجيد”، ضارعًا إلى الله أن يكون هٰذا العام فائضًا بالخير والبركات والسلام.
جاء الميلاد تحقيقًا لوعد الله للبشرية بأن “نسل المرأة يسحق الحية”، وظلت البشرية في انتظاره إلى أن تحقق حتى قال “القديس بولس الرسول”: “ولٰكن لما جاء مِلء الزمان، أرسل اللهُ ابنَه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس …”. (غلاطية 4: 4)؛ ومن ذٰلك الوعد حتى تحقيقه والله يُعد البشرية للميلاد العجيب.
الميلاد رسالة السلام
تُعد أنشودة الملائكة إلى الرعاة: “«المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة».” (لوقا 2: 14) رسالةً خالدةً عبر الأزمان، حاملة “السلام” الذي جاء من أجله وقدَّمه “وليد المذود” إلى البشرية بعد أن فقدت جمعاء كل أمل في استرجاع الحياة الحقيقية التي كانت لأبويها آدم وحواء. فالميلاد رسالة السلام: إنه استعادة للسلام الذي فُقد بين الله والإنسان بسبب خطيته التي أدت إلى فساد حل بالطبيعة البشرية.
لقد خلق الله الإنسان على صورته ومثاله، وخُلق من أجل أن يبقى في السعادة؛ ويقول “القديس أثناسيوس الرسوليّ” عن خلقة الله للإنسان: “فإنه لم يكتفِ بمجرد خلقته للإنسان ـ كما خلق بقية المخلوقات غير العاقلة على الأرض، بل خلقه على صورته ومثاله، وأعطاه نصيبًا حتى في قوة كلمته … وقد خُلق عاقلاً، وأن يبقى في السعادة أبدًا، ويحيا الحياة الحقيقية حياة القديسين في الفردوس.”. ثم قدم الله للإنسان الوصية فتعداها فسرى فيه حكم الموت؛ وقد أشار “القديس أثناسيوس الرسوليّ” إلى معنى الموت قائلاً: “وماذا يعني بقوله: «موتًا تموت»؟ ليس المقصود مجرد الموت فقط، بل أيضًا البقاء إلى الأبد في فساد الموت … ومن ذٰلك الحين لم يبقوا (البشر) بعد في الصورة التي خُلقوا عليها، بل فسَدوا حسبما أرادوا لأنفسهم، وساد عليهم الموت كمَلِك.”. وهٰكذا خرج الإنسان من محضر الله، مطرودًا من الجنة، فاقدًا خلود الحياة الحقة؛ وامتلأت أعماق البشرية بالخوف بعد أن دخلت بذرته إلى حياة أبوينا “آدم” و”حواء” بالخطية التي على إثرها فقدا كلاهما سلامهما الذي تمتعا به، وأُغلقت الجنة أمامهما: “فأخرجه الرب الإلٰه من جنة عَِدْن ليعمل الأرض التي أُخذ منها. فطرد الإنسانَ، وأقام شرقيّ جنة عَِدْن الكَرُوبِيم، ولهيبَ سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة.” (التكوين 3: 23-24). وازدادت وطأة الخوف وشراسته وتصاعد عدم الإحساس بالأمان، بعد أن امتدت يد الإنسان لتقتُل شقيقه حسدًا وكراهيةً!! وهٰكذا سرت مشاعر الخوف والقلق في البشرية، وتاهت معالم السلام في حياة الإنسان، إلى أن أعلنت الملائكة استعادته في الميلاد.
في “الميلاد”، وُلد المخلِّص الذي قال عنه ملاك الرب “للقديس يوسف النجار”: “… وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم».” (متى 1: 21)، كما قيل للرعاة: “… فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب: أنه وُلد لكم اليوم في مدينة داوُد مخلِّصٌ هو المسيح الرب.”. (لوقا 2: 10-11)؛ فصار الميلاد بشارة مفرحة بقرب انكسار الحاجز بين الله والإنسان، الذي تم بالصليب والموت والقيامة؛ فاكتملت المصالحة بين الله والإنسان؛ ولذا يقول “القديس أثناسيوس الرسوليّ”: “لأنه لو لم يكُن الربُّ، مخلِّصُ الجميع، ابنُ الله، قد جاء إلينا وحل بيننا ليُوفي غاية الموت، لهلك الجنس البشريّ.”. وكذٰلك يقول “القديس يوحنا الذهبيّ الفم”: “لم يرسل المسيح إلينا هٰذه الأخبار (المفرحة) على يد آخر، ولا أعلنها لنا خلال آخرين، وإنما جاء بشخصه. لم يرسل ملاكًا ولا رئيس ملائكة ليتمم هٰذا الأمر … بل كان الأمر يستدعي مجيئه.”. كل عام وجميعكم بخير.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ