أهنئكم اليوم بعيد القيامة الذي يحتفل به مسيحيو الشرق، ونطلب إلى الله أن ينعم على العالم بالسلام والهدوء والطمأنينة، وأن يبارك بلادنا مصر بالخير والسلام والبركات.
القيامة هي ذلك الضوء المشع الذي يضيء لنا طريق الحياة التي نعيشها إذ ترسم أمام عيوننا طريقًا نحو الأبدية؛ هي تلك النسمات التي نشتم من خلالها عبير السماء بكل ما تحمل من روعة وسلام. فإننا حين نتحدث عن القيامة لا يمكننا إلا أن نتحدث عن تلك الحياة الخالدة التي سوف يعيشها الإنسان بعد انتقاله من هذا العالم فنجد أنها:
حياة أبدية
أول ما نعرفه عن تلك الحياة إنها حياة أبدية لا تنتهي. فإن كانت أيامنا على الأرض تمتد لعشرات السنوات التي اقتربت مع قليلين إلى قرن من الزمان، إلا أن الجميع في نهاية الأمر يجتازون جسر الموت إلى حياة أخرى لا تعرف معنى النهاية. وهنا أتوقف قليلًا عند قيمة الحياة القصيرة التي نعيشها الآن مقابل تلك الحياة الخالدة التي تنتظر كل إنسان. أعجبتني كلمات أحد الحكماء، وكان رجلًا مشهورًا، عندما زاره أحد السائحين وتعجب عندما رأى الحكيم يعيش حياة بسيطة في غرفة واحدة متواضعة الأثاث، ممتلئة بالكتب. فتسائل: أين أثاث بيتك؟ وبدلًا من أن يقدم له الحكيم ردًا بادره متسائلًا: وأين أثاث بيتك أنت؟! تعجب السائح وقال: أثاثي أنا؟! لماذ! فأنا هنا زائر أُقضِّي بعض الوقت، وحتمًا سأرحل وأعود إلى بلادي. هنا أجابه الحكيم: أنا أيضًا سأُقضِّي بعض الوقت هنا، ثم أرحل!! وفي القيامة نتذكر أننا يومًا ما سنرحل حيث مسكننا الدائم.
أحضر أحد المحاضرين ذات يوم حبلًا طويلَا جدًا يبدو لك أنه بلا نهاية، ثم قام بتحديد جزء في بداية ذلك الحبل لا يتخطى بضعة سنتيمترات بلون مختلف ثم تسائل: ما نسبة ذلك الجزء الملون إلى ذاك الذي لا ينتهي؟! أجاب الحاضرون: لا شيء على الإطلاق. وهنا قال لهم مشيرًا إلى ذلك الجزء الملون: هذه هي حياتنا على الأرض، أما الجزء الآخر فهو حياتنا بعد الموت. توقف المحاضر قليلًا ثم استرسل قائلًا: كثيرًا ما أتعجب كيف لإنسان أن يضع جميع اهتمامه في ذلك الجزء الصغير جدًا من الحياة بينما هو لا يهتم ولا يُعد شيئًا لتلك الحياة التى لا تنتهي!! وتأتي القيامة إعلانًا وتذكيرًا بتلك الحياة الأبدية الخالدة.
في القيامة تتردد أصداء ذلك السؤال مدوية: ما طبيعة الحياة الخالدة التي ترغب أن تحياها؟! فالكتاب يذكر لنا أنه في يوم الديونة سوف يحاسب كل إنسان عن مسؤولية الحياة التي أعطيت له، وما قدمه خلالها من أعمال فيقول: “ورأيت الأموات صغارًا وكبارًا واقفين أمام الله، وانفتحت أسفار، وانفتح سفر آخر هو سفر الحياة، ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم.”. إن مصير الحياة الأبدية وطبيعتها يكمنان في أسلوب الحياة التي تختارها الآن، هنا على الأرض، خيرًا كانت أم شرًا.
حياة فرح
أيضًا الحياة الأبدية في السماء هي حياة تخلو من الأتعاب والآلام؛ فيذكر لنا القديس يوحنا الرسول: “وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم، والموت لا يكون في ما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد، لأن الأمور الأولى قد مضت”. وهكذا تكون الحياة الأبدية حياة فرح وسعادة لكل من عاش أمينًا صادقًا يمتلئ قلبه بالخير والمحبة لكل إنسان، وبشكل خاص نحو أعدائه، أثناء حياته على الأرض. نعم لن تكون في السماء أحزان وآلام أو ضيقات وأتعاب بل سعادة دائمة وفرح لا ينطق به.
وهكذا ينبغي لنا في عيد القيامة أن نضع نصب أعيننا الحياة الأبدية، وأن نجعل حياتنا على الأرض استعدادًا لها وامتدادًا للخير والمحبة.
كل عام وجميعكم بخير.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي