يحدِّثنا إنجيل هٰذا الأحد، من (لو 5: 17-26)، عن معجزة شفاء الرجل المفلوج (المشلول) المدلَّى من السقف؛ فقد كان السيد المسيح في مدينة “كفر ناحوم” يعلِّم جمعًا كبيرًا أتى إليه من “الجليل” و”اليهودية” و”أورُشليم”، وقد صحِب تعليمه عمل معجزات شفاء كثيرة لمرضى؛ وفي تلك المرة، تقدم أربعة رجال إليه، حاملين رجلاً مشلولاً ـ صديقًا لهم أو أحد أقربائهم ـ راغبين في وضعه أمام قدميه من أجل أن يَشفيه.
لقد كان لدى الرجال الأربعة الإيمان القويّ العميق أن السيد المسيح يستطيع أن يَشفي صديقهم، فتحملوا عناء الطريق والحمل الثقيل كي يُوْصلوه إلى السيد ـ ولو بأية طريقة ـ لينال منه نعمة الشفاء؛ وهو أمر يُظهر لنا محبتهم العظيمة وخدمتهم الكاملة لمن يحتاج إليها، هٰذا على الرغم من وجود جهد وتعب ومشقات مبذولة من أجل تحقيق ذٰلك. وقد تجلت محبة الأربعة الرجال عند وصولهم إلى حيث السيد المسيح: إذ وهو يعلِّم جمعًا كثيرًا، لم يتمكنوا من الدُّخول إليه لشدة الزحام؛ ولٰكن ذٰلك لم يكُن ليعوق محبتهم عن الوصول إلى هدفها: فقد قرروا الصُّعود بمريضهم إلى السطح، وإنزاله إلى الوسْط من بين الطُّوب!! “ولما لم يجدوا من أين يدخلون به لسبب الجمع، صعِدوا على السطح ودلَّوه مع الفراش من بين الأجُرّ إلى الوسْط قدام يسوع.”. وهٰكذا نجحت محبتهم الباذلة في وضع صديقهم المريض أمام قدمَي السيد، واثقين بشفائه.
إن المحبة أو الخدمة، يا صديقي، ليست كلمات ولا آمالاً ولا أحلامًا، ولا سيرًا في طريق مفروش بالوُرود، بل أعمال تقدِّم فيها تعبًا وجَهدًا. وبينما أنت تتعب وتبذُِل، إذا مشاعر الفرح تكتنفك والسعادة تتخلل لحظات حياتك من أجل ما تقدمه! لذٰلك علينا دائمًا أن نتذكر أن المحبة هي قرار مسؤول تتبعه أعمال خدمة وتضحيات كثيرة من أجل الآخرين وإسعادهم: “ليس لأحد حب أعظم من هٰذا: أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه.” (يو 15: 13)؛ هٰكذا تكون المحبة الحقيقية: مقترنة دائمًا بمسؤولية البذل والعطاء.
وفي هٰذه القصة يُشير “القديس يوحنا الذهبيّ الفم” إلى إيمان الرجل المريض، موضحًا: [يقول البعض إن هٰذا الرجل قد شُفي لمجرد إيمان الحاملين له، ولٰكن هٰذه ليست الحقيقة: لأن القول “فلما رأى يسوع إيمانهم” لا يُشير إلى إيمانهم وحدهم بل إيمان الذي كان يُحْمَل … تأمَّل، كيف أن مريضًا يمكن أن يكون له الثبات على مكابدة إنزاله مدلَّيًا من السقف! أنت تعلَّم أن المرضى قلوبهم واهية (ضعيفة)، حتى إنهم غالبًا ما يرفضون المعاملة التي يُلاقونها وهُم على أسِرَّة مرضهم، غير راغبين في احتمال آلام العلاج، مفضِّلين احتمال آلام المرض عنها! أمّا هٰذا الرجل، فكان له من العزم (النفسيّ) أن (يَقبَل بأن) يخرُج من المنزل، ويُحمل وسْط السوق، ويصير منظرًا وسْط الجماهير … وعندما رأى أن مكان الاجتماع مزدحم والمقتربين متكتلون وميناء الأمان معاق خضع للتدليّة من السقف … بعدما ألقَوا به وقدَّموه للسيد قال له: “ثِق يا بُنيّ، مغفورة لك خطاياك.”؛ وعندما سمِع هٰذه الكلمة لم يغتَظ ولم يتذمر، ولم يقُل للطبيب: ماذا تقصد بهٰذه الكلمات؟ أنا أتيتُ لتشفيني من شيء، وها أنت تشفيني من شيء آخر … إنه لم يفكر في هٰذا ولم ينطق به، بل انتظر وهو تارك للطبيب أن يتبنى طريقة الشفاء التي يُريدها. لهٰذا السبب أيضًا لم يذهب السيد المسيح إليه، بل انتظره حتى يأتي هو إليه: لكي يُعلِن (السيد) إيمانه أمام الجميع.].