يتحدث إنجيل هٰذا الأحد من (مت 12: 22-37)؛ وفيه يقدم لنا معجزة السيد المسيح التي شفى فيها مجنونًا أعمى أخرس، وهو الأمر الذي تعجبت له الجموع إذ لم يرَوا مثل ذٰلك السلطان من قبل، قائلين: “ألعل هٰذا هو ابن داوُد؟!”، أيْ: ألعل هٰذا هو المسيح المخلِّص الذي ينتظره الشعب؟! إلا أن في الوقت نفسه، قد بدأ بعض الفَريسيِّين باتهام السيد المسيح أن سلطانه ليس من الله وأنه أخرج الشيطان من المجنون ببَعْلزَبُول رئيس الشياطين؛ فعلِم السيد المسيح أفكارهم وبدأ يوضح لهم أن مصير أيّ انقسامات في المملكة أو في المدينة أو في البيت هو الخراب، فقال: “كل مملكة منقسمة على ذاتها تُخْرَب، وكل مدينة أو بيت منقسم على ذاته لا يثبُت …”. وهٰكذا يجدُر بنا أن نُدرك أن أحد مصادر الضعف والانهيار في حياة البشر هو انقسامهم على أنفسهم ومجتمعاتهم وأوطانهم؛ فيفقدون السلام في حياتهم، وهم غير منشغلين إلا بالمكائد والمنازعات، فاقدين معنى حياتهم الحقيقيّ.
أيضًا وضّح السيد المسيح أن ثمار عمل أيّ إنسان تعبّر عن أعماقه، إذ كما تُعرف الشجرة من ثمارها هٰكذا يُعرف صدق الإنسان ونقاوته أو شره من أعماله: “الإنسان الصالح من الكَنز الصالح في القلب يُخرج الصالحات، والإنسان الشرير من الكَنز الشرير يُخرج الشُّرور.”؛ وهٰكذا ينبَُِع المحرك الأول لسلوك الإنسان من أعماقه؛ ولذا يجب عليه أن يلاحظ نفسه جيدًا وينتبه لأفكاره ولمشاعره ولسلوكه في جميع أمور حياته، لئلا يتنبّه وقد وجد نفسه شاردةً عن طريق الحياة الأبدية!
لقد ترك السيد المسيح لكل إنسان حرية اختيار الطريق الذي يسلك فيه؛ وتَبَعًا لذٰلك فكل إنسان يتحمل نتيجة اختياراته: “اجعلوا الشجرة جيدة وثمرها جيدًا، أو اجعلوا الشجرة ردية وثمرها رديًّا، لأن من الثمر تُعرف الشجرة.”. ومن يُريد أن يجعل شجرة حياته جيدة، فعليه أن يكون أمينًا مع ذاته، ويبدأ إصلاح أيّ ضعف من الداخل أولاً؛ ومع تغيير الداخل ستتغير الثمار. أمّا من يحاول الخداع بإظهار غير ما يُبطِن، فلن يتمكن من مواصلة خداعه طويلاً: “كيف تقدِرون أن تتكلموا بالصالحات، وأنتم أشرار؟! فإنه من فَضْلة القلب يتكلم الفم.”، وسوف يأتي اليوم الذي تنكشف فيه أعماله، يوم الدينونة الرهيب حين تُكشف أسفار أعمال كل إنسان ويجازَى بحسبها؛ لذٰلك: لنختَر طريق الحياة ولْنسلُك في نور الرب.