إنجيل هٰذا الأحد من (مت ١٨: ١-٩)، وفيه يتقدم التلاميذ إلى السيد المسيح ويسألونه عمن هو أعظم في ملكوت السماوات. لقد كان فكر العظمة من المفاهيم الرومانية التي كانت تسود العالم آنذاك التي كانت ترتبط بالقوة الجسدية والسلطان والشجاعة في الحُروب والسيطرة؛ ولٰكن العظمة في الفكر الروحانيّ تختلف تمامًا عن ذٰلك الفكر؛ وتأتي إجابة السيد المسيح عن سؤال تلاميذه: “فمن هو أعظم في ملكوت السماوات؟” لتصدم تلك المفاهيم، إذ دعا السيد المسيح إليه ولدًا وأقامه في وسَْطهم، وقال: “الحق أقول لكم: إن لم ترجِعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السماوات. فمن وضع نفسه مثل هٰذا الولد فهو الأعظم في ملكوت السماوات.”! وسَُِرعان ما يتبادر إلى الذهن ذٰلك التساؤل: لماذا الأطفال؟! نجد أن الأطفال يتميزون في عديد من الأمور، منها:
• الثقة: فالطفل يثق بأبيه جدًّا إلى درجة أنه لا يخشى الأخطار في حضرته وفي أثناء وجوده معه! إننا لا يمكننا أن ننسى إجابة ذٰلك الطفل الذي كانت تتعرض السفينة التي تُقله للرياح والمخاطر، وسأله أحد المسافرين: أما تخاف غرق السفينة؟! فقال: لا، لأن أبي هو قائدها! وأيضًا طفل آخر تعرض منزله للحريق، وعندما علم الأب أتى مسرعًا ولم يستطِع الوصول إلى شقته، فوقف أسفل النافذة حيث كان الطفل يبكي وطلب منه أن يقفز دون خوف إذ هو السبيل الوحيد لنجاته؛ فأطاع الطفل أباه في ثقة تامة لتُنقذ حياته في النهاية. فإن كان الأطفال يحملون تلك الثقة العظيمة دون تساؤلات أو تردد أو تشكك إذ يثقون بتلك المحبة التي في قلوب والديهم لهم، فماذا يجب علينا نحن تجاه الله الذي أحبنا فقدَّم لنا خلاصًا هٰذا مقداره كما قال: “لأنه هٰكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يَهلِك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية.” (يو ٣: ١٦)؟! وفي هٰذا يقول “القديس أُغسطينوس”: [ألقُوا بكل هُمومكم وأنفسكم كليًّا على الرب فلا تسقطوا، لأنه لن يتخلى عنكم.].
• البساطة والنقاء: أيضًا يحمل الطفل فكرًا بسيطًا نقيًّا بعيدًا عن أذهاننا نحن الكبار، فكرًا لم يتشوه بعد بالعثرات أو بأمور الشر ومفاهيمه؛ لذٰلك تتسم حياته بالطهر والنقاء والبراءة. هٰكذا هي حياة العظماء عند الله: تتسم بالبساطة والنقاء إذ “طوبى لأنقياء القلب، لأنهم يعاينون الله.” (مت ٥: ٨).
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ