يقدم لنا فصل إنجيل هٰذا الأحد مثَل “الكرْم والكرَامين” (لوقا 20: 9-19). لقد كانت إحدى وسائل السيد المسيح لتعليم الشعب هي: ضرْب الأمثال، التي تحتوي على قِصص يقدم بها تعاليمه في أسلوب مبسط ومشوِّق؛ ومثَل “الكرْم والكرّامين” هو أحد تلك الأمثال: فهو قصة عن أحد الأشخاص الذي غرس كرْمًا وسلمه لكرّامين ليَعمَلون به ويقدمون له الثمار في كل عام.
وفي وقت الإثمار، أرسل صاحب الكرْم عبيده عدة مرات كي ما يحصلوا على الثمار. لٰكن الكرامين كانوا أشرارًا ولم يُرسلوا من ثمار الكرم؛ بل أهانوا عبيد صاحب الكرم في كل مرة جاؤوا إليهم: “وفي الوقت أرسل إلى الكرّامين عبدًا لكي يُعطوه من ثمر الكرْم، فجلده الكرّامون، وأرسلوه فارغًا. فعاد وأرسل عبدًا آخر، فجلدوا ذٰلك أيضًا وأهانوه، وأرسلوه فارغًا. ثم عاد فأرسل ثالثًا، فجرَّحوا هٰذا أيضًا وأخرجوه.”.
أخيرًا أرسل صاحب الكرم ابنه الحبيب، قائلاً: لعل أولٰئك الكرامين الأشرار يهابونه، ولٰكنهم تآمروا عليه وقتلوه، معتقدين أنهم سيحصلون على الميراث لأنفسهم. ثم طرح السيد المسيح تساؤلاً: ماذا تُرى يفعل صاحب الكرم حين يأتي إلى كرْمه؟ وقدَّم الإجابة: “يأتي ويُهلِك هٰؤلاء الكرامين ويُعطي الكرْم لآخرين.”. هٰذا المثل عمومًا يقصد به السيد المسيح الكتبة والفَرِّيسيِّين الذين تهاونوا في الأمانة الموكَلة إليهم من الله: أن يحفظوا وصايا الله، ويعلِّموها الشعب كي ما يسلك باستقامة في طريق الحق؛ وتهاونهم هٰذا هو ما جعل السيد المسيح يقول لهم ذات مرة: “«ويل لكم أيها الكتبة والفَريسيون المراؤون! لأنكم تُغلقون ملكوت السمٰوات قدام الناس، فلا تدخلون أنتم ولا تَدَعون الداخلين يدخلون …” (مت 23: 13)؛ وقد فهِموا من المثَل أنه يتحدث عنهم، حتى إنهم أرادوا الإسراع بالقبض على السيد المسيح: “فطلب رؤساء الكهنة والكتبة أن يُلقوا الأيادي عليه في تلك الساعة، ولٰكنهم خافوا الشعب، لأنهم عرَفوا أنه قال هٰذا المثل عليهم.”، إنه لم يكُن قد حان الوقت بعد.
وفي هٰذا المثل نجد أيضًا:
• احترس في كل ما تفعله في حياتك التي وهبها الله لك، لأنه سيطلب منك ثمارها: ثمار صحتك، ثمار أموالك، ثمار وقتك، ثمار خدمتك، ثمار أسرتك؛ فكُن أمينًا في جميع أمور حياتك، واترك كل الأمور بين يدي الله.
• انتبه: فإن صاحب الكرم حتمًا سيعود حتى إن ظننتَ أنه “سافر زمانًا طويلاً”!! أي إنه مهما طالت حياتك على الأرض، فيومًا ما سوف تلقاه؛ فكُن مستعدًّا.
• افهم رسائل الله إليك في حياتك: فهو يستخدم جميع الأمور: ربما خدامه الأمناء، أو مواقف، أو قراءات، أو أزمات؛ كي ما تذكرك بالثمار المطلوبة في حياتك، فلا ترفضْ أو تُهمل رسائلهم. لقد أرسل الله إلى “القديس أُغسطينوس” قصة حياة “القديس أنبا أنطونيوس” أب الرهبان كي ما تكون سببًا في توبته؛ وقد كان بالفعل إذ لم يُقَسِّ قلبه وقدم توبة عظيمة. إن الله يدبر أمورًا كثيرة تقود حياة الإنسان إلى التوبة، أو تعديل طرقه، أو الخدمة، أو غيرها؛ فلا تدَعها تمضي دون أن تُدركها وتتعلم منها.
• لا تخَف وأنت في طريق الحياة الروحية: فأنت بين يدي الله، ولن يسمح إلا بكل ما هو خير لك؛ لقد حاول رؤساء الكهنة والكتبة أن يُلقوا الأيادي على السيد المسيح في تلك الساعة ولم يقدروا، وفي مرة أخرى حاولوا أن يقتُلوه ولم يتمكنوا لأن ساعته لم تكُن قد أتت بعد. تذكَّر دائمًا أن الله ضابط جميع الأمور في كل مكان وزمان منذ الأزل وإلى الأبد.