يتحدث إنجيل هٰذا الأحد من (لو 6: 27-38)؛ وهو جزء من العظة على الجبل “دُستور الحياة المَسيحية” التي قال عنها “القديس أُغُسطينوس”: “فيها كل المبادئ السامية اللازمة للحياة المَسيحية الكاملة”؛ ولم تنَل “العظة على الجبل” اهتمام الآباء فقط، ولٰكنها حظِيَت باهتمام كبير من المفكرين والفلاسفة والحكماء والزعماء في العالم، فعلى سبيل المثال نجد “غاندي” يقول: “«الكتاب المقدس» تاج الكتب، و«العظة على الجبل» هي درة هٰذا التاج.”؛ وفي هٰذا الجزء يعلمنا السيد المسيح:
• السعي نحو المحبة: الحياة المَسيحية الحقيقية هي حياة قانونها المحبة المستمدة من الله كليّ المحبة؛ إذ يقول “القديس يوحنا الحبيب”: “الله محبة”. وهٰكذا تصبح الحياة هي رحلة للتعلم والتدرب على حياة المحبة للجميع وخصوصًا محبة الأعداء: “لٰكني أقول لكم أيها السامعون: أحِبوا أعداءكم …”. ومحبة الأعداء هي عنوان الكمال المَسيحيّ الذي يتشبه ويُقتاد بمحبة الله لجميع البشر: الأبرار والأشرار؛ إذ هو يُشرق شمسه ويهب خيراته كل يوم للبشر جميعًا. ومحبة الأعداء هي المحك الذي يوضح حقيقة هل الإنسان ملك محبةً في حياته. فمن ذا الذي يجد صعوبة في أن يحب أولٰئك الذين يحبونه ويكرمونه؟! وإنما الفضيلة الحقة هي الكائنة في أعماق الإنسان، وتظهر جلية في جميع مواقف حياته بغض النظر عن مواقف الآخرين. أيضًا ذٰلك الذي يملِك المحبة التي هي من الله لا يمكنه أن يسلك بها في مواقف، في حين يسلك بغيرها في مواقف أخرى! وهٰكذا نجده يقدم محبةً لأعدائه.
• المحبة العاملة: المحبة التي يعلمنا إياها السيد المسيح هي ليست محبة الكلمات البراقة أو الوعود التي تخبو بمجرد تلفظها، ولٰكنها المحبة العاملة التي تقدم الإحسان والخير لكل إنسان حتى من يكِن لها بُغضًا: “… أحسِنوا إلى مبغضيكم، بارِكوا لاعنيكم، وصلُّوا لأجل الذين يُسيئون إليكم.”. لذٰلك عليك باختبار نفسك: لمن تقدِّم أعمال الخير والإحسان؟! ومن هم الذين تباركهم وتصلي من أجلهم؟! أهم أحباؤك وأصدقاؤك الذين يبادلونك مشاعرك الطيبة بمثلها؟ أم أنك تدرب نفسك أو قلبك لأجل أن يكون متسعًا للجميع محبين وغير محبين؟! قد يرى كثيرون صعوبة في تطبيق تلك الوصية؛ نعم إنها ثقيلة جدًّا على كل من يحاول أن ينفذها اتكالاً على ذاته وحكمته البشرية دون أن ينال معونة من الله فيها. إن أردتَ أن تتعلم المحبة، فلا طريق لك سوى أن تنال قوة ومعونة من الله الذي هو محبة؛ لأننا بدونه لا نقدر أن نفعل شيئًا.