إنجيل هٰذا الأحد من (متى 2: 13-23)، ويتحدث عن هروب “العائلة المقدسة” إلى أرض “مِصر” من وجه “هِيرُودُس” الملك الذي أعد الشر نحو الطفل يسوع منذ أن أخبره “المجوس” أنهم رأَوا نَجمًا غريبًا يدل ظهوره على ميلاد ملك، فأراد أن يُهلكه خوفًا على عرشه ومُلكه. وفي تلك الأثناء، ظهر ملاك لـ”يوسُِف النجار” في حُلم يأمره: “قُم وخُذ الصبيّ وأمه واهرَُب إلى مِصر، وكُن هناك حتى أقول لك، لأن هِيرُودُس مزمِع أن يطلب الصبيّ ليُهلكه.” فإن “هِيرُودُس” حين أدرك أن “المجوس” لم يعودوا إليه ليخبروه بأمر الملك المولود، غضِب جدًّا وأرسل جُنوده يقتلون جميع الصبيان الذين في “بيت لحم” وفي كل تُخومها من ابن سنتين فما دون؛ فصار حَُزَْن عظيم ذكره النبي: “صوت سُمع في الرامة نَوح وبكاء وعويل كثير. راحيل تبكي على أولادها، ولا تريد أن تتعزى لأنهم ليسوا بموجودين.”.
وأتوقف عند كلمة “هروب”: فإن كثيرين يعتبرون كلمة “هروب” حاملةً في مضمونها معنى الضعف والخُنوع! لٰكن “الكتاب المقدس” يعلّمنا أن هناك “هروبًا” مرغوبًا يُعد مرادفًا للقوة، نعم: فالهروب من فعل الشر والخطيئة قوة، والهروب من التصدي للشر بالشر قوة. إن إحدى حروب الشيطان على الإنسان هي إيهامه بأنه قادر على الصُّمود أمام الخطيئة، وأنه لن يسقط، وأن هروبه هو ضعف كي يعتمد على قوته الذاتية فيسقط سريعًا، ثم يملأ نفسه يأسًا! لٰكن الملك “الحكيم سليمان” يحذرنا من الخطيئة وطرقها، فيقول: “لا يمَل قلبك إلى طرقها، ولا تشرُد في مسالكها، لأنها طرحت كثيرين جرحى، وكل قتلاها أقوياء.” (أم 7: 25-26). ويوصي “بولُس الرسول” الإنسان أن يهرَُب من الشهوات: “أمّا الشهوات الشبابية فاهرَُب منها، واتْبع البر والإيمان والمحبة والسلام مع الذين يَدعون الرب من قلب نقيّ.” (الرسالة إلى تيموثاوُس الثانية 2 :۲۲).
أمّا “مِصر”، فقد نالت بركات عظيمة بمجيء “العائلة المقدسة” إليها، فهي البلد الوحيد الذي زاره السيد المسيح، وعاش على أرضه، واحتضنه هو وعائلته بين أهله؛ لتظل العائلة بين رُبوعه إلى وفاة “هِيرُودُس” إلى أن أعلنت السماء أن يعود، لكي يتم ما قد تنبأ به “هوشع النبيّ”: “من مِصر دعوتُ ابني”.