ليس لدينا سوى عالم واحد نعيش فيه، ومتى دمرناه فلن يبقى شىء لنحياه! لقد خلق الله – جل جلاله – الحيوان والكون والطبيعة على أكمل وضع وأبدع تكوين، ورد بالمسيحية: «وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا». وحينما خلق الله الإنسان وضعه فى الجنة كى يعملها ويحفظها: «وَأَخَذَ الرَّبُّ الْإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِى جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا». وفى الإسلام: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً}. لقد أوكل الله للإنسان مهمة العمل فى الأرض والحفاظ عليها فبات سلام الأرض وحفظها إحدى أهم مسؤولياته.
وقبل أيام انطلقت فعاليات «القمة العالمية لقادة الأديان من أجل المناخ» بإمارة «أبوظبى» (6/11-7/11)، تمهيدًا لمؤتمر COP28 الذى سينعقد بدولة الإمارات العربية المتحدة (30/11-١٢/١٢)، برعاية كريمة من رئيسها صاحب السمو الشيخ «محمد بن زايد آل نهيان»، وبإشراف سعادة د. سلطان الجابر الرئيس المعين لـCOP28، وبالتعاون مع «مجلس الحكماء المسلمين» و«برنامج الأمم المتحدة للبيئة»، وكان الهدف الذى وضعه مسؤولو القمة ومنظموها هو الدعوة إلى التقاء الضمائر الإنسانية وتوحيد جهود القادة من أجل النهوض بكوكب الأرض.
إن اجتماع القمة العالمية لقادة الأديان، فى سعيه الدائم ومبادراته إلى تأكيد أهمية دورهم فى التوجيه الروحى للشعوب، على تنوع تقاليدها ومعتقداتها، باتخاذ خطوات ملموسة تجاه الشعوب لتعجيل الجهود الرامية إلى المعالجة المكثفة لأزمة المناخ وتفاقمها، وهى أحد التحديات العالمية التى تواجه الإنسانية.
وقد جاءت محاور القمة على عدد من الموضوعات الأساسية:
١– الواجب الأخلاقى الذى يسعى لاستكشاف الأسس الأخلاقية والمعنوية للأديان، وتأكيد الترابط بين الإنسانية والعالم الطبيعى، وضرورة الحفاظ على توازن كوكب الأرض وتعافيه.
٢– التعاون بين العلم والدين.
٣– التأثير فى السياسات وصناع القرار، والدعوة من أجل وضع سياسات تعكس المسؤولية الأخلاقية المشتركة تجاه الناس والكوكب.
٤– إشراك القواعد الشعبية وتمكين المجتمعات والمنظمات الدينية والنساء والعلماء والشباب من تبنى الممارسات المستدامة وزيادة الوعى.
وقد صدر بيان مشترك بين القادة لمؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، يعبّر عن القلق بشأن ما يتعرض له كوكب الأرض من آثار متفاقمة لتغير المناخ وخطر محدق، مع تأكيد الالتزام المشترك بالتصدى لهذه الأزمة العالمية، وبالأخص أن التعاليم الدينية تغرس واجبًا مقدسًا، لا تجاه الأسرة الإنسانية فقط، بل نحو نظام بيئى هش نعيش فى كنفه.
كذلك قدم البيان دعوة إلى رؤساء الدول والحكومات والجهات الفاعلة غير الحكومية وصناع القرار للعمل على تحقيق عدة نقاط جوهرية:
■ التتبع السريع لتحولات الطاقة لضمان العدالة والإنصاف والامتثال للقيم الأخلاقية.
■ اعتبار أُمنا الأرض مصدرًا للحياة تجب حمايته.
■ تبنى تحول سريع وعادل إلى مصادر الطاقة النظيفة، بعيدًا عن مصادر الوقود الأحفورى.
■ تعزيز الخدمات الرامية إلى معالجة تبعات التغير المناخى فى صحة الإنسان.
■ الأخذ بزمام المبادرة فى الحد من الانبعاثات، ودعم جهود التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه، فى أقل الدول وفرةً فى الموارد،
■ اعتماد استثمارات وممارسات تجارية مسؤولة تتماشى مع المعايير المناخية والبيئية والاجتماعية.
■ الترابط الوثيق بين الأزمات التى هى من صنع الإنسان والتى تؤثر فى المناخ والتنوع البيولوچى.
■ إنشاء آليات للمساءلة للوفاء بالالتزامات العالمية والوطنية تجاه العمل المناخى الشامل.
■ ضمان الشمولية فى التحول المناخى.
■ الالتزام بتفعيل آليات مالية جديدة تعالج الخسائر والأضرار الناجمة عن التغير المناخى.
■ تشجيع الحوار الشامل، فى مؤتمرات الأطراف وما بعدها، مع القادة الدينيين والفئات المهمشة والشباب والمنظمات النسائية والمجتمع العلمى لتكوين تحالفات تعزز التنمية المستدامة.
كما قدم البيان المشترك عددًا من الالتزامات التى تقع على عاتق ممثلى الأديان والتقاليد والحكمة الدينية والسكان الأصليين، منها:
■ احترام الترابط الوثيق والاعتماد المتبادل اللذين يجمعاننا معًا فى نسيج الحياة، ويذكراننا دومًا بمصيرنا المشترك.
■ دعم تطوير الخطاب البيئى القائم على الإيمان، والتعلم المستمر، ودمج التعاليم والقيم البيئية داخل المؤسسات التعليمية والدينية والثقافية.
■ قيادة الجهود وإعادة تصور أنماط الحياة المستدامة المنخفضة الكربون، والتقدم الاجتماعى الذى يتسم بالانسجام مع الأرض واحترام مواردها.
■ تغيير أنماط استهلاكنا، والتأكد من أن مشترياتنا وخدماتنا تعكس التزامنا الأخلاقى، بتسريع تحول الطاقة وتحقيق صافى الانبعاثات الصفرى، بحلول سنة ٢٠٥٠، على النحو المنصوص عليه فى اتفاق باريس.
■ إلزام أنفسنا بالتمسك بقيم العدالة وعدم التسبب فى أى ضرر، والحياة فى سلام مع كل الكائنات الحية، بما فى ذلك الطبيعة، وتعزيز التعايش المتناغم الذى يثرى البشرية والكوكب.
■ الدعوة إلى المساواة، وإزالة الحواجز التى صنعها الإنسان لضمان تحقيق الشمولية والمشاركة المتساوية والتمكين للجميع.
■ تأكيد ألا تصدى للتحديات العالمية متعددة الأوجه إلا إذا عمِلنا معًا، ممثلين للطوائف الدينية كافة، لدعم تعددية الأطراف الفعّالة لمعالجة الأزمة الكوكبية الثلاثية.
هذا إلى جانب بث الأمل فى أجيال الحاضر والمستقبل. وقد اشترك ٢٨ من القادة فى زراعة شجرة تتحمل الحرارة تعبيرًا عن وحدتهم فى العمل من أجل الحفاظ على البيئة وخيرها.
وبعد انتهاء أعمال المؤتمر، التقى سمو الشيخ «محمد بن زايد بن آل نهيان» بعض المشاركين فى أعمال القمة العالمية، فكان اللقاء مملوءًا بالود والمحبة، عبّر فيه الحاضرون عن سبق دولة الإمارات إلى العمل من أجل الحفاظ على كوكب الأرض، وعن عميق شكرهم لحفاوة الاستقبال والإقامة طوال أيام القمة. وقد تحدث سمو الشيخ «محمد بن زايد بن آل نهيان» حديثًا شخصيًّا وديًّا مع كل شخص على حدة.
نرجو لدولة الإمارات العربية المتحدة مزيدًا من الازدهار والنمو الدائمين فى دورها الريادى الفعّال من أجل مواجهة تحديات الأسرة الإنسانية ومستقبلها.
و… والحديث فى «مصر الحلوة» لا ينتهى!.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى