تحدثت المقالة السابقة عن “أورُشليم” (القدس) أيام “يشوع النبيّ” الذي خلّص أهل مدينة “جِبعون” من خمسة ملوك آتين عليهم، بعد أن هزمهم وقتلهم جميعًا. وفي أيام ذٰلك النبيّ أيضًا سكن اليَبوسيون مع بني إسرائيل. وفي أيام القضاة نسمع عن الملك”أَدُوني بازَق”. وقد أُخذت مدينة “أورُشليم” وحُرقت بالنار، وعاش فيها اليبوسيون مع البَنياميِّين، ووضع فيها “داود النبي” رأس “جُليات” الجبار وأدواته. وفي أثناء ملك “داود النبيّ” جعل “أورُشليم” عاصمةً حيث بنى لنفسه بيتًا وأعد لبناء الهيكل، أمّا ابنه “سليمان النبيّ” فقد ملك أربعين سنة على أورُشليم، وبنى فيها الهيكل وبيت الملك وسورًا حولها: “وصاهر سليمان فرعون ملك مِصر، وأخذ بنت فرعون وأتى بها إلى مدينة داود إلى أن أكمل بناء بيته وبيت الرب وسور أورُشليم حواليها”، كما بنى قلعةً، وسد شقوق “مدينة داود”. ويصف لنا “يوسيفوروس” المؤرخ اليهوديّ السور الذي أقامه “سليمان” بـ”السور القديم”. وهٰكذا صارت مدينة “أورُشليم” إحدى المدن التاريخية المحصنة. وإلى “أورُشليم” جاءت ملكة سبأ لترى عظمة “سليمان الملك” وحكمته، وتسأله عن بعض الأمور: “فقالت للملك: «صحيحًا كان الخبر الذي سمعتُه في أرضي عن أمورك وعن حكمتك. ولم أصدق الأخبار حتى جئتُ وأبصرت عيناي، فهوذا النصف لم أُخبَر به.زدتَ حكمةً وصلاحًا على الخبر الذي سمعتُه. طوبى لرجالك وطوبى لعبيدك هٰؤلاء الواقفين أمامك دائمًا السامعين حكمتك! …”.
وحدث بعد موت “سليمان” النبيّ الملك أنْ ملَك ابنه “رَحُبْعام” الذي كان حدثًا، فانقسمت المملكة إلى قسمين: “اليهودية” وهي لسبط “يهوذا” ولنصف سبط “بنيامين”، و”إسرائيل” وهي للتسعة الأسباط الباقية والنصف الآخر من سبط “بنيامين”؛ وكان سبب الانقسام أنه بعد موت “الملك سليمان” جاء الشعب بقيادة شخص يُدعى “يَرُبْعام” إلى “رَحُبْعام” الملك، يطلبون إليه تخفيف الشدة عن الشعب، فقالوا: “إن أباك قسَّى نِيرنا، وأمّا أنت فخفِّف الآن من عبودية أبيك القاسية ومن نِيره الثقيل الذي جعله علينا، فنخدُِمك”؛ وطلب “رَحُبْعام” ثلاثة أيام لدراسة الأمر، مستشيرا الشيوخ الذين كانوا يقفون أمام أبيه “سليمان”، فأجابوه: “إن صرت اليوم عبدًا لهٰذا الشعب وخدَمْتهم وأجبتهم وكلمتهم كلامًا حسنًا، يكونون لك عبيدًا كل الأيام”؛ ثم استشار الشبان الأحداث الذين نشؤوا معه فقالوا له: “هٰكذا تقول لهٰذا الشعب الذين كلموك قائلين: إن أباك ثقَّل نِيرنا، وأما أنت فخفِّف من نِيرنا، هٰكذا تقول لهم: إن خِنصَري (إصبعي الخِنصر) أغلظ من مَتْنَ يْأبي (مَتْنا الظهر: مُكتنَفا الصُلب عن يمين وشِمال من عصب ولحم) (يقصد أنه أقوى وأقسى من أبيه). والآن أبي حمَّلكم نِيرًا ثقيلاً وأنا أزيد على نِيركم. أبي أدَّبكم بالسياط وأنا أؤدبكم بالعقارب (سياط لها كرات حديدية تمزق الجلد بشدة وتسمم الجسم وتميته)”. وتبِع “رَحُبْعام” مشورة الشبان دون مشورة الشيوخ الحكماء. وحين جاء “يَرُبْعام” وجميع الشعب إلى “رَحُبْعام” في اليوم الثالث، أجابهم بشدة وقسوة مما أدى إلى انقسام المملكة: “فلما رأى كل إسرائيل أن الملك لم يسمع لهم، رد الشعبُ جوابًا على الملك قائلين: «أيّ قسم لنا في داود؟ ولا نصيب لنا في ابن يَسَّى! إلى خيامك يا إسرائيل. الآن انظر الى بيتك يا داود». وذهب إسرائيل إلى خيامهم. وأما بنو إسرائيل الساكنون في مدن يهوذا فملَك عليهم رَحُبْعام.”. وهٰكذا لم تعُد “أورُشليم” عاصمة موحَّدة إذ انقسم الشعب الواحد إلى شعبين. أما إسرائيل (التسعة الأسباط ونصف سبط “بنيامين”) فقد تبِعوا “يَرُبْعام”، الذي أضلهم عن عبادة الله وأعادهم إلى عبادة آلهة أخرى، لأنه خاف أن يصعد الشعب إلى “أورُشليم” والهيكل للعبادة فينشقوا عنه. أما “أورُشليم” التي صارت عاصمة “اليهودية” (سبط “يهوذا”والنصف الثاني من سبط “بنيامين”) فقد كان بها الهيكل، واستمرت بها عبادة الله. وما يزال حديث “القدس” يأخذنا … والحديث في “مصر الحلوة” لا ينتهي!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ