No Result
View All Result
ازرع الحب فى الأرض، تصبح الأرض سماءً! انزِع الحب من الأرض تصبح الأرض قبرًا! كلمات خُطت فى ذاكرة التاريخ وحُفرت فى قلوب كل من التقى وعرَف البابا شنودة الثالث، السابع عشَر بعد المئة فى بطاركة الإسكندرية، الذى نحتفل بذكرى نياحته فى السابع عشر من مارس. لقد تميزت حياة البابا شنودة الثالث بالمحبة الفائضة إذ كان يملك قلبًا امتلأ بمحبة الله وكل إنسان.
امتلكت محبة الله قلب الشاب نظير جيد حتى إنه زهد الدنيا، وامتلأ قلبه برغبة عارمة فى أن يحيا حياة مكرسة لله، فيقول فى قصيدته «غريب»:
تَرَكْتُ مَفاتِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ أَحفَلْ بِنَادِيهَا
وَرُحتُ أَجُرُّ تَرْحَالِى بَعِيدًا عَنْ مَلَاهِيهَا
خَلِيَّ القَلْبِ لَا أَهْفُو لِشَيءٍ مِنْ أَمَانِيهَا
نَزِيهَ السَّمْعِ لَا أُصْغِى إِلَى ضَوْضَاءِ أَهْلِيهَا
أَطُوفُ هَهُنَا وَحْدِى سَعِيدًا فِى بَوَادِيهَا
بِقِيثارِى وَمِزْمَارِى وَأَلْحَانٍ أُغَنِّيهَا
وَسَاعَاتٍ مُقَدَّسَةٍ خَلَوتُ بِخَالِقِى فِيهَا
أَسِيرُ كَأَنَنِى شَبَحٌ يَمُوجُ لمُقْلَةِ الرَّائِى
غَرِيْبًا لَمْ أَجِدْ بَيْتًا نَزِيْلًا مِثْلَ آبَائِى
وهكذا، امتلأ قلبه بمحبة الله، فأشع بالحب على الجميع، فيقول: «لقد قررتُ أن أعيش مع الناس، وأُسعدهم ما استطعت ما دمت موجودًا بينهم»؛ فنجده وهو لا يزال طالبًا بالمرحلة الثانوية يقدم المحبة إلى زملائه كافةً، يساعدهم فى تفهم كثير من الأمور، ويحل ما يقابلهم من مشكلات. وفى شبابه، خدم فى كثير من الكنائس والمجالات التطوعية الاجتماعية المتنوعة؛ فأشرف على الأطفال فى أحد الملاجئ، وقلبه المتسع يحتضنهم بالحب والاهتمام والرعاية، حتى تأثروا به كثيرًا خاصة بعد أن شعروا أنهم أمام صديق، لا مسؤول. واهتم الشاب «نظير جيد» بمعونة الأطفال اليتامى فى دراستهم، وبحل كل مشكلاتهم.
أما محبة «مِصر»، فكانت دائمًا فى قلبه، وكيف لا تشغله، وهو من ردد دائمًا: «مصر ليست وطنًا نعيش فيه، بل وطن يعيش فينا»؟! فبعد تخرجه فى الجامعة، تطوع بالجيش، ويذكر عن تلك المرحلة: «فى أيامنا، كان طلبة الجامعة مُعفَين من التجنيد، وكان من الممكن دفع بدل نقدى لمن يريد الإعفاء من الجيش، ولكننى تطوَّعت، وأنا لا أزال طالبًا فى الجامعة». كذلك أحب الجميع حتى بذل قصارى جهده فى خدمة كل أحد؛ فقال: «وأذكر أننى أثناء فترة التدريب كنت مسؤولًا عن وجبات الطعام فى شهر رمضان، فكنت أبذل اهتمامًا كبيرًا بطعام السحور والإفطار، وكان الطلبة يرشحوننى دائمًا لذلك؛ لأننى كنت جادًّا فى هذا الشأن شديد الإخلاص لهم». وظل حب الوطن يسرى فى دمائه، ويحمل فى قلبه كل ما يمر بالبلاد من أحداث، مشاركًا فى قضاياه، فنراه يتقدم الجبهة العسكرية لمؤازرة أبطال الوطن فى حرب السادس من أكتوبر. ولا يُنسى له أنه شارك فى عديد من المؤتمرات التى كانت تهتم وتناقش ما يمر بالعالم العربيّ، وبخاصة القضية الفلسطينية.
وحين صار أبًا وراعيًا للكنيسة، أحب وخدم كل إنسان، وبخاصة المحتاجون، فكان قداسته يضع احتياجاتهم أولى أولوياته؛ كان يرأس بنفسه أعمال «لجنة البر» يوم الخميس من كل أسبوع بـ«القاهرة»، وكل أسبوعين بـ»الإسكندرية». لم أذكر أننى رأيته يرد سائلًا، بل كان دائم الاهتمام وخاصة بعلاج الحالات المَرضية التى تكتُب إليه، بل كان يسأل عن كل حالة ويتابع تطوراتها من كل قلبه، تمامًا مثلما قال: «أعطِ من قلبك قبل أن تعطى من جيبك». لقد عاش قلبًا نابضًا بالحب، حتى أخذ يحُث عليه: «اجعل الحب الذى فيك أقوى من الإساءة التى تأتيك»، مشجعًا: «ليكُن الخير طبعًا فيك، وليكُن شيئًا تلقائيًّا لا يحتاج إلى جهد، مثله مثل التنفس عنـدك»!
وهكذا عاش حبًّا يسير بيننا، فى طريقه نحو الله، مثلما علَّم: «إن وصلت إلى المحبة فقد وصلت إلى الله، لأن الله محبة»، والحديث فى مصر الحلوة لا ينتهى!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى

No Result
View All Result