تحدثت مقالات سابقة عن الدولة الأيوبية في “مِصر”، حيث تأسست على يد “صلاح الدين الأيوبيّ” في “مِصر” و”الشام”، الذي قسَّمها في أثناء حياته بين أولاده وعائلته، فكان حكم “مِصر” من نصيب ابنه “العزيز عثمان” من سنة ١١٩٣ حتى ١١٩٨م (٥٨٩-٥٩٥هـ)؛ وآل الحكم من بعده إلى ابنه “يوسف” – الملقب بـ”الناصر” كجَده، لٰكن عمره حينذاك كاو عشر سنوات؛ فحضر عمه الملك “الأفضل” ليتولى حكم “مِصر”؛ ووصل الأمر إلى “الملك العادل” شقيق “صلاح الدين”، فصارت حروب بين “الأفضل” و”العادل”، انتهت بانتصار جيش الملك “العادل” وتمكنه من دخول “القاهرة” سنة ١٢٠٠م (٥٩٦هـ)؛ وحَكم البلاد من سنة ١٢٠٠ حتى ١٢١٨م (٥٩٦-٦١٤هـ).
حكم السلطان “العادل” بلاد “مِصر” و”الشام و”الحجاز” و”اليمن” و”ديار بكر” و”أرمينيا”؛ وعندما استقرت له أمور حكمها، قسّمها بين أبنائه فكانت “مِصر” من نصيب “الملك الكامل مُحمد”. وفي سنة ١٢١٨م (٦١٥هـ)، تمكن الفرنج من الاستيلاء على “برج دِمياط”؛ فنال الحزن من “الملك العادل” مبلغًا حتى إنه وقع مريضًا وتُوُفِّي، بعد أن حكم “مِصر” و”الشام” ١٩ عامًا تقريبًا. ثم تولى “الملك الكامل” حكم “مِصر” من سنة ١٢١٨ حتى ١٢٣٨م (٦١٥-٦٣٥هـ).
حكم “الملك الكامل” بلادًا عديدة، ثم شرع يقسّم حكمها بين أبنائه فاستخلف على “مِصر” ابنه الأصغر “الملك العادل سيف الدين أبا بكر”. وفي سنة ١٢٣١م (٦٢٩هـ) داهم خطر التتار إلى الجزيرة و”حَرَّان” بعد أن ملؤوا البلاد قتلاً وأسرًا وسبيًا من البشر؛ فاجتمع “الملك الكامل” وأخوه “الأشرف” من أجل دفع خطرهم. وفي سنة ١٢٣٨م (٦٣٥هـ) تُوُفِّي “الملك الأشرف”، ومن بعده “الملك الكامل”، وتولى حكم “مِصر” ابنه “العادل الصغير” من سنة ١٢٣٨ حتى ١٢٤٠م (٦٣٥-٦٣٧هـ). إلا أن “الملك الصالح أيوب”، الابن الأكبر “للملك الكامل”، صارع أخاه “الملك العادل الصغير”، واستولى على حكم “مِصر”، ثم حبسه بالقلعة سنوات انتهت بقتله – فلم يدُم حكم “الملك العادل الصغير” على “مِصر” سوى سنة واحدة وشهرين تقريبًا. أما “الملك الصالح أيوب”، السابع في سلاطين الدولة الأيوبية، فقد حكم “مِصر” سنة ١٢٤٠م حتى ١٢٤٩م (٦٣٧- ٦٤٦هـ)، وهو الذي أنشأ المماليك الأتراك وجعلهم أمراء فيها.
وحين تزايد المرض بالملك “الصالح أيوب” حتى مات، أخفت زوجته “شجرة الدر” خبر موته وأدارت هي أمور البلاد، إلى أن حضر ابنه “توران شاه” من “حصن كيفا” وتولى حكم “مِصر”. وقد نفرت الرعية من “توران شاه” فاتحدوا حتى قتلوه بأبشع الوسائل، بعد أن قضّى في الحكم أقل من شهر!! ثم آل حكم “مِصر” إلى “شجرة الدر” ثلاثة أشهر ثم خلعت نفسها، فآل إلى “المعز أيبك التركمانيّ” بعد أن تزوجته، ليصير أول حكام الترك بـ”مِصر”. وحين بلغ “شجرة الدر” أن “المعز أيبك” يرغب الزواج بابنة الملك “الرحيم بدر لؤلؤ” حاكم “الموصل”، دبرت مؤامرة لقتله، وكان لها ما أرادت. واتفق الأمراء على تولية “الملك المنصور نور الدين” ابن الملك “المعز أيبك”، وأُلقي القبض على “شجرة الدر” وحُبست بالبرج الأحمر حتى قُتلت.
أما عن أحوال الكنيسة القبطية في ذٰلك الزمان، فقد شهِدت تولي “البابا يوحنا السادس” (١١٨٩-١٢١٦م)، الرابع والسبعين في بطاركة الإسكندرية، الذي عاصر عددًا من الملوك: السلطان “صلاح الدين الأيوبيّ”، والملك “العزيز عثمان”، ثم ابنه الملك “الناصر يوسف”، وعمه الملك “الأفضل عليّ”، والملك “العادل”؛ ومن بعد نياحة “البابا يوحنا السادس”، ظل الكرسيّ المَرقسيّ خاليًا قرابة ١٩ عامًا، إلى أن رُسم “البابا كيرلس الثالث” (ابن لُقلُق) ليصير الخامس والسبعين في بطاركة الإسكندرية.
دولة المماليك في “مِصر”
بدأ حكم المماليك في “مِصر” مع سقوط الدولة الأيوبية سنة ١٢٥٠م (٦٤٨هـ)، واستمر حتى سنة ١٥١٧م، بعد أن أوقع السلطان العثمانيّ “سليم الأول” الهزيمة بالمماليك في معركة “الريدانية”، وتمكن من ضم “الشام” و”مِصر” إليه. وفي زمن حكم المماليك، ازدادت أمور البلاد اضطرابًا حيث كثر حكامهم. ويقسِّم المؤرخون الدولة المملوكية إلى دولتين: دولة المماليك البحْرية، ودولة المماليك البُرجية؛ و… وما زال الحديث في “مصر الحلوة” لا ينتهي!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ