بدأ الحديث عن “المماليك” بالمقالة السابقة، وكيف أن الخلفاء والأمراء وكبار قادة الدولة قد أقبلواعلى شرائهم من أسواق النِّخاسة البيضاء، ليصيروا القوة العسكرية التي تقوِّي نفوذهم؛ ما أدى إلى زيادة قوة “المماليك الأتراك” وتعاظم نفوذهم في عصر الدولة العباسية، فكانوادعامة للدولتين الطولونية ثم الإخشيدية في “مِصر”، وأخذوا يشغلون المناصب القيادية والوظائف العامة مع الفاطميِّين.
وحين قامت الدولة الأيوبية اعتمدت بدرجة كبيرة على “الأكراد” و”المماليك الأَسدية”، و”المماليك الصالحية الناصرية”،ولجأ الأمراء الأيوبيون إلى تأليف قوى خاصة بهم من المماليك؛ فازداد نفوذ الأتراك جدًّا في البلاد، وكانت لهم القدرة على مساندة السلطان “الصالح نَجم الدين أيوب” ليصبح حاكم “مِصر”، فبنى قلعة سكنوا بها، وعُرفوا بـ”المماليك البحْرية الصالحية”. وهٰكذا سُمي عصر المماليك الأول بـ”المماليك التركية” لكون معظمهم من البيض ولتحدثهم بالتركية؛ كذٰلك أُطلق عليهم أيضًا “المماليك البحْرية” حيث سكنوا “قلعة الروضة” المطلة على النيل؛ إلا أن رأيًا آخر يقول: “وأغلب الظن أنهم سُموا «بحْرية» لأنهم جاءوا من وراء البحار، إذ جاء في «چوانڤيل» أنهم «يسمَّون بَحْرية أو رجال ما وراء البحر». و«چوانڤيل» الذي حارب «المماليك البحْرية الصالحية» في حملة «لويس التاسع»، وأُسر عندهم وتحدث إليهم، روايته لها قيمتها بصفته رجلاً معاصرًا وشاهد عيان”.
دولة “المماليك البحْرية” (١٢٥٠-١٣٨٢م) (٦٤٨-٧٨٤هـ)
يرى بعض المؤرخين الملكة “شجرة الدر” أنها أول سلاطين الدولة المملوكية لكونها كانت جارية؛ في الوقت الذي يرى آخرون أنها آخر من حكم “مِصر” من السلاطين الأيوبيِّين بحكم أنها زوجة السلطان “الصالح نَجم الدين أيوب” الذي حكم “مِصر” سنة ١٢٤٠ حتى ١٢٤٩م(٦٣٨-٦٤٧هـ). ثم حكم “تورانشاه” الذي كرِه “المماليك البحْرية” وتوعد بقتلهم، فحنِقوا عليه وقتلوه سنة١٢٥٠م (٦٤٨هـ)؛ وبنهايته انتهى عصر الدولة الأيوبية. قرر المماليك إقامة “شجرة الدر” في السلطنة سنة١٢٥٠م (٦٤٨هـ)؛ في حين عُين “عز الدين أيْبَك التركمانيّ” في منصب الأتابكية(قائدًا أو حاكمًا عسكريًّا)، حتى تزوجته “شجرة الدر” وتنازلت له عن العرش بعد أن حكمت “مِصر” قرابة ثلاثة أشهر.
السلطان “أيْبَك التركمانيّ” (٦٤٨- ٦٥٥هـ) (١٢٥٠-١٢٥٧م)
لُقب بـ”السلطان الملك المعز”؛ ويُذكر في شأنه: “لم يكُن «أيْبَك» في الواقع أكبر أمراء المماليك سنًّا، أو أقدمهم خدمةً، أو أقواهم مكانةً ونفوذًا … وهٰذه الحالة الاستثنائية في نظام التدرج المملوكيّ جعلت بعض المؤرخين، مثل «أبي المحاسن» في كتابه «النجوم الزاهرة» (في ملوك مصر والقاهرة)، يتهمون «أيْبَك» بضعف النفوذ والشوكة، وبأن الأمراء لم ينتخبوه إلا لكي يتمكنوا من عزله متى شاءوا”. لٰكن بعضًا يرى في “أيْبَك” سلطانًا امتاز بالسياسة والحزم والشجاعة. وقد تعرض “أيْبَك” لعدد من الصعوبات كالخطر الأيوبيّ المتمثلفي الأمراء الأيوبيِّين بـ”الشام” الراغبين التحالف مع الفرنجة مقابل تسليم “بيت المقدس” لهم؛ وعندما علِم “أيْبَك” أرسل تهديدًا بقتل أسرى الفرنجة في “مِصر” حال مشاركتهم في أيّ حروب عليه. كذٰلك أبدى “أيْبَك” استعداده لتعديل “معاهدة دِمياط” والتنازل عن نصف الفدية المقررة إنسانده ملك الفرنج “لويس التاسع” في حربه مع الأيوبيِّين، لٰكن “لويس التاسع” فضّل أن يقف على الحياد بين الفريقين. وهٰكذا كانت مواجهة الجيش الأيوبيّ والمماليك بمدينتي “بلبيس” و”الصالحية”؛ جاء النصر أولاً للأيوبيِّين، لٰكن فرقة منمماليك”أيْبَك” انضمت إلى المماليك؛ ما أدى إلى هزيمة الأيوبيِّين وعودتهم إلى “الشام”. وظل الصراع بين الفريقين حتى تدخل الخليفة العباسيّ”المستعصم”، وعُقد الصلح بينهما سنة ١٢٥٣م (٦٥١هـ) على أن تكون “مِصر” وجنوب “فلسطين” تحت سلطانالمماليك، في حين تظل بلاد “الشام” تحت حكم الأيوبيين. وفي تلك الأثناء، بدأ الخطر المغوليّ في اجتياح البلاد بقيادة “چِنكيز خان”.
أيضًا واجه السلطان “أيْبَك” ثورة شعبية أشعلها الأعراب في “مِصر” سنة١٢٥٣م (٦٥١هـ) لأسباب سياسية واجتماعية و… وما زال الحديث في “مصر الحلوة” لا ينتهي!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ