تحدَّثت في المقالة السابقة عن حكم “السلطان قطز” الذي حكم مصر بعد خلع “السلطان المنصور”، في الوقت الذي اقترب فيه خطر المغول وتهديداتهم، واتفاق القضاة والفقهاء والأعيان على مواجهتهم. كما أشارت المقالة إلى المغول الذين بدأوا كمجموعة من القبائل في هضبة منغوليا شمالي صحراء “جوبي”؛ ثم توحدت تلك القبائل تحت حكم “چنكيز خان” الذي انتصر على إمبراطور الصين، واستولى على عاصمتها “بكين”، وازدادت مملكة “چنكيز خان” توسُّعًا. وقد استعان الخليفة العباسي “الناصر” بالمغول لمهاجمة الدولة الخوارزمية، الذي كان قد عقد معاهدة تجارية مع الخوارزميين فلم يعِر رسالة الخليفة أي اهتمام؛ إلا أن الخلافات بين المغول والخوارزمية ازدادت حدة حتى وقعت الحرب بين الجانبين؛ وتمكَّن “چنكيز خان” من السيطرة على إقليم ما وراء النهر، والسيطرة على العاصمة “خوارزم” في عام 618هـ (1221م)؛ فيُذكَر عن ذلك: “يُعتبر سقوط خوارزم من أشهر ما وقع بين المسلمين والمغول، في ذلك الوقت، ولما دخل المغول المدينة قتلوا جميع سكانها باستثناء الصناع وأرباب الحرف؛ حيث نقلوهم إلى بلادهم، كما سبوا النساء والأطفال، ونهبوا محتويات المدينة، ثم أغرقوها بعد أن حطموا السد الذي يمنع ماء جيحون عنها”. ثم استولى المغول على إقليم “خراسان” ومدنه وقاموا بتخريب وتدمير كل مكان اجتازته جيوشهم، وإحراق ما يزيد على حاجتهم من غلال.
واجه المغول عددًا من الصراعات الداخلية منها ثورة “قبائل التايجوت”، ومحاربة إمبراطورية “سونغ” في جنوبي بلاد الصين. وتوفي “چنكيز خان” في عام 624هـ (1227م)، وانتُخِب ابنه “أوكتاي” في 626هـ (1229م)، والذي عاد إلى التوسع نحو الغرب؛ فتمكنوا من الاستيلاء على “أذربيچان” و”بلاد الكرج”، ثم “إربل”. وقد ذكر المؤرخون: “وما حدث من ظهورهم في أعالي الفرات، أثار الذعر والخوف في بلاد الشام، وصار من المتوقع إقدامهم على غزو العراق وإقليم الجزيرة، وآسيا الصغرى توطئةً للزحف نحو بلاد الشام ومصر”.
ومهَّدت الصراعات والحروب القائمة في منطقة إقليم الجزيرة (تشمل المنطقة اليوم شمال شرق سوريا وشمال غرب العراق وجنوب شرق تركيا، وتشكل الجزء الشمالي من وادي الرافدين) الطريق للمغول الذين زحفوا نحو مناطق غربي آسيا بعد أن سيطروا على: إمبراطورية الصين الشمالية، وأواسط آسيا، وإيران، وبلاد الكرج (چورچيا)، والقوقاز، والروسيا، وبولندا، وآسيا الصغرى، منطقة الأناضول وتشمل ثمان دول هي: تايلاند، واليابان، وكوريا الجنوبية، والفلبين، وإندونيسيا، وڤيتنام، وسنغافورة، والصين).
وفي عام 648هـ (1250م) انتُخِب “مونكو خان” خانًا أعظم على المغول، وهدف إلى التوسع وعهد بهذه المهمة إلى أخيه “هولاكو”، فبدأ بغزو العراق التي كانت تحت حكم الخليفة العباسي “المستعصم”، في وقت ازدادت فيه الصراعات والمؤامرات: “والواقع أنه تعددت مراكز القوى آنذاك في عاصمة الخلافة، واختلفت فيما بينها بفعل عوامل سياسية ومذهبية. فأرباب السلطان، ومن بينهم إدارة الشؤون العامة متنازعون متباغضون، كل منهم يحيك المؤامرات ضد الآخر، ويسفِّه رأيه أمام الخليفة، الذي وقف عاجزًا عن وضع حد لهذه المشاكل”. وفي أثناء تلك الأحداث، طلب “هولاكو” من الخليفة “المستعصم” أن يمده بجيش، ليشارك الجيوش المغولية في القضاء على الإسماعيلية (إحدى فرق الشيعة، وتسعى أيضًا للإمامة، لأن أنصارها كانوا يسندون الإمامة بعد الإمام السادس “جعفر الصادق” إلى ابنه “إسماعيل” الذي نُسِبوا إليه، وأحيانا تُدعى “الباطنية”)؛ وعلى ما يبدو أن الخليفة رفض طلبه؛ فما أن انتهى “هولاكو” من القضاء على الإسماعيلية، حتى بدأ الصراع مع العباسيين، وتمكَّنت الجيوش المغولية من دخول “بغداد” وتدميرها عام 656هـ (1258م)، وبذلك سقطت الخلافة العباسية.
ثم اتجه المغول نحو مهاجمة “بلاد الشام”؛ فتمكَّنوا من الاستيلاء على مدن “ميافارقين”، “نصيبين”، “حران”، “الرها”، “البيرة”، “حارم”، ثم “حلب” في عامي 657هـ – 658هـ (1259م – 1260م)؛ الأمر الذي أثار الرعب في بلاد الشام؛ فأسرع الملك “الناصر” بطلب المساعدة من المماليك في مصر. و… وما زال الحديث في “مصر الحلوة” لا ينتهي!
الأسقف العام
رئيس المركز الثقافي القبطي الأُرثوذكسي