أود أن أهنئ أقباط مصر والعالم بـ«عيد الرسل»، الذى تحتفل به الكنيسة القبطية السبت الموافق ١٢ يوليو ٢٠٢٥م؛ وهو اليوم الذى يوافق تَذكار استشهاد الرسولين «بطرس وبولس» بيد الإمبراطور «نيرون». ويسبق «عيد الرسل» صوم يسمى «صوم الرسل» الذى يُعدُّ أقدم صوم عَرَفته الكنيسة المَسيحية منذ بدء تأسيسها، ويبدأ بعد عيدى الصعود والعنصرة، وقد أشار إليه «السيد المسيح» عندما أتاه تلاميذ «يوحنا» متسائلين: «لِمَاذَا نَصُومُ نَحْنُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ كَثِيرًا، وَأَمَّا تَلاَمِيذُكَ فَلاَ يَصُومُونَ؟» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «هَلْ يَسْتَطِيعُ بَنُو الْعُرْسِ أَنْ يَنُوحُوا مَا دَامَ الْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ وَلكِنْ سَتَأْتِى أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ» (متى٩: ١٤، ١٥). وهكذا صام الآباء الرسل، وانتقل الصوم من الآباء الرسل إلى الأجيال حتى اليوم.
و«الآباء الرسل» هم تلاميذ «السيد المسيح» الاثنى عشر: «وَلَمَّا كَانَ النَّهَارُ دَعَا تَلاَمِيذَهُ، وَاخْتَارَ مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِينَ سَمَّاهُمْ أَيْضًا «رُسُلاً» (لوقا٦: ١٣)، والسبعون رسولاً هم الذين اختارهم «السيد المسيح» فيما بعد: «وَبَعْدَ ذلِكَ عَيَّنَ الرَّبُّ سَبْعِينَ آخَرِينَ أَيْضًا، وَأَرْسَلَهُمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ أَمَامَ وَجْهِهِ إِلَى كُلِّ مَدِينَةٍ وَمَوْضِعٍ حَيْثُ كَانَ هُوَ مُزْمِعًا أَنْ يَأْتِى» (لوقا ١٠: ١). وكما ذكرنا فى المقالة السابقة أن الاستشهاد بدأ منذ عصر الرسل، ونرى ذلك جليًّا فى حياة التلاميذ رسل «السيد المسيح»، الذين استُشهِدوا جميعًا من أجل الإيمان ما عدا القديس «يوحنا الحبيب» التلميذ الإنجيلى الرسول.
ويضاف «بولس الرسول (شاول الطرسوسى)» إلى رسل «السيد المسيح»؛ حيث إن «السيد المسيح» دعاه دعوة شخصية إلى الإيمان: «أَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ لَمْ يَزَلْ يَنْفُثُ تَهَدُّدًا وَقَتْلاً عَلَى تَلاَمِيذِ الرَّبِّ، فَتَقَدَّمَ إِلَى رَئِيسِ الْكَهَنَةِ وَطَلَبَ مِنْهُ رَسَائِلَ إِلَى دِمَشْقَ، إِلَى الْجَمَاعَاتِ، حَتَّى إِذَا وَجَدَ أُنَاسًا مِنَ الطَّرِيقِ، رِجَالاً أَوْ نِسَاءً، يَسُوقُهُمْ مُوثَقِينَ إِلَى أُورشَلِيمَ. وَفِى ذَهَابِهِ حَدَثَ أَنَّهُ اقْتَرَبَ إِلَى دِمَشْقَ فَبَغْتَةً أَبْرَقَ حَوْلَهُ نُورٌ مِنَ السَّمَاءِ، فَسَقَطَ عَلَى الأَرْضِ وَسَمِعَ صَوْتًا قَائِلاً لَهُ: «شَاوُلُ، شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِى؟» فَقَالَ: «مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟» فَقَالَ الرَّبُّ: «أَنَا يَسُوعُ الَّذِى أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ». فَقَاَلَ وَهُوَ مُرْتَعِدٌ وَمُتَحَيِّرٌ: «يَا رَبُّ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟» فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «قُمْ وَادْخُلِ الْمَدِينَةَ فَيُقَالَ لَكَ مَاذَا يَنْبَغِى أَنْ تَفْعَلَ» (أعمال الرسل٩: ١ – ٥).
وفى «دمشق» التقى «حنانيا الرسول» فاعتمد على يديه، وقضى فى الصحراء العربية فترة من الزمن حيث تلقى الإيمان من «السيد المسيح» نفسه: «وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الإِنْجِيلَ الَّذِى بَشَّرْتُ بِهِ، أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَبِ إِنْسَانٍ. لأَنِّى لَمْ أَقْبَلْهُ مِنْ عِنْدِ إِنْسَانٍ وَلاَ عُلِّمْتُهُ. بَلْ بِإِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية ١: ١١، ١٢). وفى جولة سريعة سوف نلقى الضوء على تلاميذ «السيد المسيح».
بطرس الرسول
هو «سمعان بن يونا» أول من دعاه «السيد المسيح»، وكان له ثلاثة أسماء: «بطرس» هو اسم يونانى، و«كيفا» اسم آرامى، و«صفا» اسم عربى. والأسماء الثلاثة لهم معنى واحد هو «صخرة». وُلِد فى مدينة «بيت صيدا» ولكنه عاش فى مدينة «كفرناحوم». كان يعمل صيادًا للسمك، وقد دعاه «السيد المسيح» وأخاه «أندراوس» ليتبعاه ويصيرا تلميذيه، فتركا كل شىء وتبِعاه. وقد ذُكِر عن «بطرس الرسول» أنه أحد التلاميذ الثلاثة «بطرس ويعقوب ويوحنا» المقربين لـ«السيد المسيح»، الذين شهِدوا عددًا من المعجزات والأحداث التى اختصَّهُم بها، كإقامة «ابنة يايرس» و«حادثة التجلى». وقد تميز «القديس بطرس» بمحبته الشديدة لـ«السيد المسيح»؛ وكان بيت «سمعان بطرس» مركز انطلاق لخدمة «السيد المسيح» فى الجليل، وشهد الكثير من الأحداث والمعجزات.
وبعد قيامة «السيد المسيح» وصعوده وحلول الروح القدس على التلاميذ والرسل، بشَّر «بطرس الرسول» بـ«السيد المسيح» فى «اليهودية والجليل والسامرة» حوالى ١٢ سنة؛ وفى «أنطاكية وآسيا الصغرى» وللجالية اليهودية فى «بابل»؛ فآمن كثيرون على يديه.