No Result
View All Result
يحتفل أقباط مصر والعالم غدًا ببدء العام القبطي الجديد 1742ش؛ ويُطلَق عليه اسم “عيد النيروز”، وهو يرتبط بتاريخ الشهداء الذي بدأ مع عصور الاضطهاد الروماني العنيفة التي مرَّت بالمسيحيين بشكل عام في أنحاء الإمبراطورية الرومانية، وأقباط مصر بشكل خاص والتي ذُكِر عن شهدائها: “لو أن شهداء العالم كله وُضِعوا في كِفَّة ميزان، وشهداء مِصر في الكِفَّة الأخرى، لرجَحت كِفَّة المِصريين!”.
وقد تعرَّض المسيحيون لعصور متعددة من الاضطهادات؛ إلا أن أشدها وطأة وقسوة كانت في فترة الحكم الروماني والتي شملت عشر حلقات من الاضطهاد، بدأت مع الإمبراطور “نيرون” الذي استُشهِد على يديه القديسين الرسولين “بطرس” و”بولس”.
جاءت قمة الاضطهاد في عصر الإمبراطورين “دقلديانوس” و”مكسيميانوس”، لتتخضَّب أرض الإمبراطورية بسيول من دماء الشهداء، الذين قدموا حياتهم بفرح من أجل إيمانهم. وقد ذكر المؤرخ المقريزي عن “دقلديانوس”: “وأوقع بالنصارى فأسال دماءهم، وغلَّق كنائسهم، ومنع من دين النصارى، وحمَل على الردة وعبادة الأصنام، وأسرف جدًّا في قتل النصارى، وهو آخر من عبد الأصنام من ملوك الروم”. لذلك قرَّر الأقباط اتخاذ بداية عصر “دقلديانوس” (284م- 305م) وأعوانه بدءًا للتقويم القبطي وتأريخًا للأحداث، وأطلق عليه اسم “تاريخ الشهداء”.
وقد يتعجَّب البعض من احتمال الشهداء للآلآم والعذابات التي مرت بهم، ولكن لا يُعد الاستشهاد بالأمر الغريب؛ إذ أن “السيد المسيح” سبق وأنبأ بتلك الأمور، ففي حديث لتلاميذه الأطهار يقول: ” وَقَبْلَ هذَا كُلِّهِ يُلْقُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، وَيُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى مَجَامِعٍ وَسُجُونٍ، وَتُسَاقُونَ أَمَامَ مُلُوكٍ وَوُلاَةٍ لأَجْلِ اسْمِي. فَيَؤُولُ ذلِكَ لَكُمْ شَهَادَةً. فَضَعُوا فِي قُلُوبِكُمْ أَنْ لاَ تَهْتَمُّوا مِنْ قَبْلُ لِكَيْ تَحْتَجُّوا، لأَنِّي أَنَا أُعْطِيكُمْ فَمًا وَحِكْمَةً لاَ يَقْدِرُ جَمِيعُ مُعَانِدِيكُمْ أَنْ يُقَاوِمُوهَا أَوْ يُنَاقِضُوهَا. وَسَوْفَ تُسَلَّمُونَ مِنَ الْوَالِدِينَ وَالإِخْوَةِ وَالأَقْرِبَاءِ وَالأَصْدِقَاءِ، وَيَقْتُلُونَ مِنْكُمْ. وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي. وَلكِنَّ شَعْرَةً مِنْ رُؤُوسِكُمْ لاَ تَهْلِكُ. بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ”(لو21: 12 – 19). وأيضًا: “فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ”(يو16: 33).
بل وعلم أيضًا أن الخوف الحقيقي ليس هو خوف الموت: “وَلاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ”(مت10: 28).
لذلك، نجد الشهداء يقدمون أروع مشاهد الحب والاحتمال للعذابات حتى أبهروا أعداءهم؛ بل وقادت آلاف من غير للمؤمنين إلى ساحات الاستشهاد. وقد كان الشهداء في مصر من الشيوخ، والرجال، والنساء، بل والأطفال، يقول المؤرخ “يوسابيوس”: “لم تكن النساء أقل من الرجال بسالة في الدفاع عن تعاليم الكلمة الإلهية، إذ اشتركن في النضال مع الرجال”.
أيضًا احتمل الشهداء الألم من أجل الحياة الأبدية، فقد كانت أعينهم مُثبَّتة على السماء ينتظرون يوم عودتهم إلى وطنهم الحقيقي؛ وقد عبر عن هذا القديس “بولس الرسول” في رسالته الثانية إلى أهل تسالونيكي: “نَحْنُ أَنْفُسَنَا نَفْتَخِرُ بِكُمْ فِي كَنَائِسِ اللهِ، مِنْ أَجْلِ صَبْرِكُمْ وَإِيمَانِكُمْ فِي جَمِيعِ اضْطِهَادَاتِكُمْ وَالضِّيقَاتِ الَّتِي تَحْتَمِلُونَهَا، بَيِّنَةً عَلَى قَضَاءِ اللهِ الْعَادِلِ، أَنَّكُمْ تُؤَهَّلُونَ لِمَلَكُوتِ اللهِ الَّذِي لأَجْلِهِ تَتَأَلَّمُونَ أَيْضًا”(2تس1: 4، 5). فيُذكَر عن القديس الشهيد “بوليكاربوس” أن طلب الإمبراطور منه أن ينكر “السيد المسيح”، فأجاب: “”لقد مضى ستة وثمانون عامًا أخدم فيها المسيح، وشرًّا لم يفعل معي قط، بل اقتبل منه كل يوم نعمًا جديدة، فكيف أهين حافظي والمحسن إليَّ؟”، وعندما هددوه بالحرق قال: “إني لا أخاف النار التي تحرق الجسد، بل تلك النار الدائمة التي تحرق النفس. وأمَّا ما توَعَّدتني به من أنك تطرحني للوحوش المفترسة، فهذا أيضًا لا أبالي به، أحضِر الوحوش، وأضرِم النار، فها أنا مستعدٌّ للحريق والافتراس”.
ما أعظم ذلك الإيمان وأعمق تلك المحبة التي تضاءل العالم جوارهما في أعين الشهداء حتى أصبح لا شيء؛ وصار الموت انتصارًا وطريقًا للحياة الأبدية! كل عام وأنتم بخير.
وما زال الحديث في “مصر الحلوة”.. لا ينتهي!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافي القبطي الأُرثوذكسي

No Result
View All Result