ندوة كاتب وكتاب بعنوان “العلاقة بين المسلمين والمسيحيين… من واقع فتاوى دار الإفتاء المصرية” بالمركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي

نظّم المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي مساء الأحد 11 مايو 2025م، ندوة جديدة ضمن سلسلة ندوات «كاتب وكتاب» التي يُقيمها المركز في الأسبوع الثاني من كل شهر. جاءت الندوة بعنوان «العلاقة بين المسلمين والمسيحيين… من واقع فتاوى دار الإفتاء المصرية»، لمناقشة كتاب الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية السابق، وأمين الشؤون الدينية بحزب الجبهة الوطنية.

أُقيمت الندوة برئاسة وحضور نيافة الأنبا إرميا، الأسقف العام رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، وبمشاركة الدكتور شوقي علام مؤلف الكتاب، فيما أدار الندوة الكاتب الصحفي أ.ميلاد حنا، مساعد رئيس تحرير جريدة المصري اليوم، وسط حضور نوعي ضمّ نخبة من علماء الدين، وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ، وأساتذة الجامعات، وعدد من الأدباء والمثقفين والصحفيين.

نيافة أنبا إرميا: التعايش قوة والتنوع لا يعني صراعًا

بدءت الندوة بالسلام الجمهوى. ثم ألقى نيافة أنبا إرميا كلمة ترحيب بالحضور ثم بدء حديثه عن الدكتور شوقى علام قائلا بأنه “الصديق العزيز” وصاحب المسيرة الوطنية والعلمية المشرفة، مشيدًا بمواقفه المعتدلة التي جسدت خطابًا دينيًا متزنًا ومجددًا.

خلال كلمته أشار نيافة أنبا إرميا إلى أن المفتي السابق واجه تحديات فكرية ومجتمعية كبرى بعقل مؤسسي ورؤية تنويرية جمعت بين التكوين الأزهري والانفتاح على العصر، وساهم في ترسيخ أسس التعايش من خلال مبادرات استراتيجية، أبرزها تأسيس مرصد الفتاوى التكفيرية. بدار الإفتاء، الذي أصبح جهازًا بحثيًا رائدًا في تحليل ومجابهة الفكر المتطرف علميًا.

وأضاف أن الدكتور شوقي علام كان “سابقًا لعصره”، وأشرف على العديد من المشروعات الإستراتيجية داخل دار الإفتاء، مما جعلها في طليعة المؤسسات الدينية عالميًا من حيث التأثير والحضور.

وأشار نيافته إلى أن خطاب الدكتور شوقى علام اتسم بالاتزان والوعي، إذ أعاد للفتوى “هيبتها ومكانتها”، وربطها باحتياجات الإنسان المعاصر وقضايا المجتمع الكبرى، مؤكدًا أنه رسخ خلال مسيرته صورة العالم المجدد، القائد الواعي بتحديات العصر ومفاهيم المواطنة والتعايش.

وأكد أن التنوع في المجتمع مصدر قوة حقيقي لمواجهة التحديات ، مشددًا على أن الاختلاف لا يعني الصدام، بل هو مساحة للتكامل والحوار، وهو ما سعى إليه الدكتور شوقي في كتابه، حين أكد أن “جميع الأديان تسعى لتحقيق السلام”.

وأوضح نيافة أنبا إرميا أن الاختلاف سنة من سنن الحياة، ولا ينبغي أن يؤدي إلى التنافر أو الإقصاء، قائلاً: “الاختلاف لا يعني أن أحدًا على صواب والآخر على خطأ، بل هو مساحة للحوار والتكامل، ما لم يسقط الاحترام بيننا”.

ودعا نيافته إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية في مواجهة التحديات، وأشار إلى أن الدكتور شوقي استهل كتابه بالآية  “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا…”. وهو اختيار مقصود يبرز أن الخطاب الإلهي هنا موجه إلى الناس كافة، لا إلى المسلمين وحدهم، بما يعكس شمولية الرسالة واحترامها للتنوع الإنساني.

واختتم نيافة أنبا إرميا كلمته بالتأكيد على أن الأديان لا تتصادم أو تتفاضل، بل تتكامل في غاياتها، مشددًا على أن الدين جاء لبناء الإنسان وإسعاده، لا لتفريقه أو تحقيره، داعيًا إلى الوعي بما يحدث حولنا للحفاظ على وحدة الوطن وسلامه الاجتماعي.

 الدكتور شوقي علام: لا إكراه في العقيدة… والوعي حصانة ضد الفتاوى الشاذة

من جانبه، قدّم الدكتور شوقي علام عرضًا معمقًا لكتابه، مؤكدًا أن الفتوى الصحيحة كانت ولا تزال جسرًا لبناء التفاهم بين المسلمين والمسيحيين، مستشهدًا بتجربة دار الإفتاء المصرية في إصدار فتاوى تؤسس وترسيخ لقيم المواطنة، أسس التعايش والمواطنة.

أكد الدكتور شوقي أن «التنوع» سُنة كونية، وأن الاعتقاد أمر قلبي لا يُفرض بالقوة، لأنه إذا أجبر عليه سيكون منافقًا في هذه الحالة لأنه يظهر خلاف ما في قلبه، ولا يطلع على ما في قلبه إلا الذي خلقه.

مشددًا على أن المجتمع المصري يتمتع بنسيج قوي لا يمكن تفكيكه بسهولة، رغم محاولات زرع الفتن، وأشاد بالتنوع الذي عاشته مصر عبر القرون العصور المختلفة، موضحًا أن من يقرأ التاريخ والأحداث يوقن أنه لا يستطيع أن يفكك هذا النسيج المجتمعي كأنه صخرة قوية تنكسر عليها كل التحديات.

وخلال الندوة أكد أن الأسرة تلعب دورًا محوريًا في تشكيل وعي الأجيال، وأن دعوات الرئيس عبد الفتاح السيسي لتجديد الخطاب الديني تعبّر عن وعي رئاسي بخطورة الفكر المتطرف وأهمية تجديد الفهم الديني.

نقاش مفتوح… ومقترحات لتطوير الخطاب الديني وتعزيز التعايش

شهدت الندوة نقاشًا مفتوحًا شارك فيه عدد من الشخصيات العامة، من أبرزها:

الدكتورة نسرين البغدادي، نائب رئيس المجلس القومي للمرأة، التي دعت إلى خطاب ديني مستنير يخاطب العقل والوجدان معًا، ويركز على بناء الإنسان وتكريس ثقافة التنوير والتسامح، مشيرة إلى أهمية تجاوز اللقاءات الرمزية نحو تحركات مجتمعية موسعة لبناء جسور التفاهم.

الدكتور عبد المسيح سمعان، رئيس لجنة التعليم ببيت العائلة المصرية، الذي طالب بإدراج قيم التعايش في المناهج التعليمية، ومؤكدًا على ضرورة تدريسها لجميع المراحل لتنشئة جيل واعٍ ومتصالح، مشيرا إلى أن لجنة التعليم ببيت العائلة المصرية  تنظم ندوات ومسابقات في المدارس عبر شبكة “أصدقاء بيت العائلة”.

الدكتورة منار محمد، واعظة بوزارة الأوقاف، التي حذّرت من خطورة الفتاوى المجهولة المنتشرة عبر الإنترنت وشددت على ضرورة تحصين الأطفال بالتنشئة السليمة منذ الصغر.

الصحفي صموئيل العشاي الذى اقترح تحويل الكتاب إلى مشروع تطبيقي من خلال اختيار رمزين للتعايش من كل محافظة سنويًا، مؤكدًا أن الأغلبية من المصريين يمارسون التعايش الفعلي، لكن الإعلام يسلّط الضوء على القلة الشاذة.

وتحدث أحد الحضور عن أهمية فهم تجديد الخطاب الديني بمعناه الصحيح، دون المساس بالنصوص، مطالبًا بأن تكون الندوات الدينية موجهة لكل المجتمع، لا لفئة بعينها، وأن يبرز الأزهر في البرامج الإعلامية كمرجعية جامعة.

وفي السياق ذاته، دعا أحد المشاركين إلى إصدار تشريع يجرّم الفتاوى غير المعتمدة من دار الإفتاء، لما تسببه من تشويش مجتمعي وبلبلة فكرية. وردّ المفتي بأن جوهر الحل يكمن في “الوعي”، مشيرًا إلى محاولات سابقة لضبط الفتوى في البرلمان، مؤكدًا أن إصدار الفتوى مسؤولية لها شروط وأصول علمية، ويجب منح المفتي شهادات معتمدة تضمن أهليته.

وأشاد المستشار حسام علام بالدور التعليمي الذي يقوم به الأزهر، مؤكدًا أن كتاب المفتي يمثل مرجعًا مهمًا في مجال بناء السلام والدبلوماسية الدينية، داعيًا إلى ترجمته لعدة لغات للاستفادة منه عالميًا.

كما دعا أحد الحضور إلى إبراز الرموز الدينية في فعاليات وطنية مشتركة، لتعزيز الوحدة المجتمعية، مؤكدًا أن الذات الشعبية تحتاج إلى دعم أكبر في مواجهة محاولات خلخلتها، لا سيما بين الشباب.

ورأى الكاتب الصحفي صلاح علام أن تراجع المؤسسة الدينية الرصينة عن ساحة الخطاب فتح المجال لجماعات متطرفة، داعيًا إلى أن يحتل الأزهر والكنيسة مجددًا مكانتهما في وجدان المواطن المصري لحماية الهوية الدينية والثقافية.

وتساءل الكاتب د. نبيل صبحي فرج عن تدريس الدين في المدارس من قبل غير متخصصين، وعن وجود فتاوى قد تُسيء للمسيحيين، مطالبًا بمراجعة شاملة للمناهج والفتاوى.

وردّ الدكتور محمد أبو زيد الأمير، المنسق العام لبيت العائلة، بأن الفتاوى المعتمدة في مصر لا تتضمن ما يسيء، لكن المشكلة فيمن يفتون عبر الفضائيات دون علم. وأضاف المفتي أن الإمام الأكبر شكّل لجنة لمراجعة وتنقيح المناهج الأزهرية، وهي عملية مستمرة لضمان خطاب تعليمي وديني مسؤول.

وأشار الدكتور خيري فرجاني إلى أن الفكر لا يواجه إلا بالفكر، محذرًا من الحروب الحديثة التي تستهدف تفكيك المجتمعات من الداخل، داعيًا إلى دور نشط للمثقفين الدينيين في التحصين الفكري.

كما دعت المداخلات إلى ضرورة إصدار تشريع يجرّم الفتاوى غير المعتمدة، ومراجعة مناهج تدريس الدين، وإبراز الرموز الدينية في فعاليات وطنية لتعزيز وحدة المجتمع، في حين أكّد المفتي أن إصدار الفتاوى يجب أن يتم وفق شروط علمية صارمة، وأن هناك جهودًا جادة لضبط هذا المجال داخل البرلمان.

ختام الندوة وتكريم الدكتور شوقي علام

واختُتمت الندوة بكلمة لنيافة الأنبا إرميا، رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، شكر فيها الحضور على مشاركتهم الثرية، مؤكدًا أن هذه الفعاليات تسهم في بناء جسور المحبة والسلام وتعزيز التفاهم بين أبناء الوطن الواحد.

ثم قدّم نيافته، درع «ندوة كاتب وكتاب» للدكتور شوقي علام، تكريمًا لدوره العلمي والديني والوطني، مؤكدًا أن كتابه يمثل نموذجًا للخطاب الديني المتزن والمستنير، وأن فعاليات المركز ستظل جسرًا لبناء السلام والتفاهم بين أبناء الوطن الواحد.

ندوة كاتب وكتاب بعنوان “العلاقة بين المسلمين والمسيحيين من واقع فتاوى دار الإفتاء المصرية”

د. نسرين البغدادي: نريد انعكاسا للمفاهيم السليمة داخل المجتمع  بين المسلمين والمسيحيين!!

فضيلة أ. د. محمد أبو زيد الأمير: العلم والقانون أساسان في الفتوى!!

أ. د. خيري أبو العزايم: لا بد أن يكون لرجال الدين دور في التصدي للتطرف!!

تقرير قناة ME Sat ندوة كاتب وكتاب بعنوان “العلاقة بين المسلمين والمسيحيين من واقع فتاوى دار الإفتاء المصرية”