أهنئكم بعيد الميلاد المجيد، ونطلب إلى الله أن يكون هٰذا العام مملوءًا سلامـًا وخيرًا لكم جميعـًا.
لقد امتلأ العهد القديم بنبوءات كثيرة عن ميلاد السيد المسيح ومنها نبوءة “إشَعْياء النبيّ” التي تقول: “…ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه «عِمّانوئيل».” (إشعياء 7: 14)؛ فقد أشار “إشَعْياء” إلى أن العذراء ستحبل وتلد ابنـًا ويكون اسم هٰذا الطفل “عِمّانوئيل”. ثم يأتي القديس “متى الإنجيليّ” ليردد هٰذه النبوءة مع ظهور الملاك ليوسُِف الصديق فيقول: “… وهٰذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبيّ: «هوذا العذراء تحبل وتلد ابنـًا ويدعون اسمه «عمانوئيل» الذي تفسيره: الله معنا.” (متى 22:1-23) ؛فالقديس “متى” هنا يوضح معنى الاسم الذي دُعي به السيد المسيح لتكون رسالة الميلاد “الله معنا”.
لقد أحب الله الإنسان فأوجده ووضعه في جنة “عدْن”؛ ليحيا فيها ويعيش سعيدًا في وجوده مع الله إذ يقول: “… ولذاتي مع بني آدم.” (الأمثال 31:8). وحين أخطأ الإنسان، اختار الله أن يسكن مع البشر، ويكون بينهم في خيمة الاجتماع التي نرى الله فيها وسْط شعبه. وفي حياة الإنسان الخاصة، يسعى الله لأن يكون في حياة الإنسان؛ فيذكر القديس “يوحنا الحبيب” في سفر الرؤيا: “هٰأنٰذا واقف على الباب وأقرع. إن سمِع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي.” (الرؤيا 20:3). لهٰذا، ينبغي لك أن تدرك عمق محبة الله لك، وبحثه الدائم عنك ليكون معك؛ وهو لا يطلب إلا أن تقدم إليه قلبك وتتَّبع وصاياه: “يا ابني، أعطِني قلبك، ولتلاحظْ عيناك طرقي.” (الأمثال 26:23). وهٰكذا تعرِف معنى السعادة الحقيقية التي تكمُن في شعورك الدائم أن الله معك، يسندك ويعضدك في جميع أمور حياتك؛ فتستطيع أن تتقوى وتنتصر على ما يقابلك من مواقف ومشكلات.
مع الله نجد الحكمة
حين يكون الله معنا، فإننا نكتسب الحكمة؛ فالله هو كليّ الحكمة وهو مصدرها؛ يقول القديس “يعقوب الرسول”: “وإنما إن كان أحد تُعوزه حكمة، فليطلبْ من الله الذي يُعطِي الجميع بسخاء ولا يُعيِّر، فسيُعطَى له.” (يعقوب 5:1). لذا، تميزت حياة الأبرار الذين كان الله معهم بالحكمة الشديدة؛ ومن أعظم الأمثلة “سليمان الحكيم” الذي فاقت حكمته كل إنسان على وجه الأرض حتى إن ملكة “سبأ” قالت له: “«صحيحـًا كان الخبر الذي سمِعتُه في أرضي عن أمورك وعن حكمتك. ولم أصدق الاخبار حتى جئتُ وأبصرَت عيناي، فهوَذا النصف لم أُخبَر به. زدتَ حكمة وصلاحـًا على الخبر الذي سمِعتُه. طوبى لرجالك وطوبى لعبيدك هؤلاء الواقفين أمامك دائمـًا السامعين حكمتك! …” (الملوك الأول 6:10-7). وهٰكذا كل من يكون الله معه.
مع الله نجد المحبة والسلام
إن الله هو إلٰه المحبة والسلام؛ فمع ميلاد “السيد المسيح” رنمت الملائكة أنشودة الفرح والسلام: “«المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة»“. (لوقا 14:2). كذٰلك كانت دعوة السيد المسيح في حياته على الأرض هي المحبة والسلام؛ ففي العظة على الجبل علَّم: “طوبى لصانعي السلام …” (متى 9:5). والله هو واهب السلام للإنسان في حياته فيقول: “«سلامـًا أترك لكم. سلامي أعطيكم. ليس كما يُعطي العالم أعطيكم أنا. لا تضطرب قلوبكم ولا تَرهَب. …” (يوحنا 27:14). لذا، فحين يكون الله معك، تحيا في سلام لا يستطيع أحد أن ينزِعه منك؛ إنه سلام من الله!
وهٰكذا تكون رسالة الميلاد “الله معنا”؛ فتمتلئ حياتنا بالحكمة والمحبة والسلام.
وكل عام وجميعكم بخير.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ