أهنئكم بعيد الميلاد المجيد الذي يحتفل فيه مسيحيُّو الشرق بميلاد السيد المسيح، ونطلب إلى الله أن يكون هٰذا العام مملوءًا سلامـًا وخيرًا لبلادنا المحبوبة مِصر، ولمنطقتنا العربية، وللشرق الأوسط، وللعالم بأسره.
إن الذي يتأمل في قصة الميلاد التي حدثت قبل قُرابة الألفي عام، يجد نفسه أمام أمور عجيبة صاحبتها؛ ففي فصل الإنجيل الذي يُقرأ ليلة العيد (متى 1:2-12)، يقدِّم إلينا زيارة المجوس الذين أتَوا من المشرق، متتبعين نَجمـًا عجيبـًا أرشدهم إلى حيث المذود. وهنا نتوقف عند المجوس، والنَّجم.
المجوس
هم حكماء فى بلاد المشرق (فارس)، ويُطلق عليهم اسم “المجوس” الذي يعود في أصله إلى الكلمة الفارسية “ماجو”، وكانوا يَدينون في ذٰلك العصر بالــ”الزرادِشتية”. وهم حكماء يعملون برؤية الأفلاك وحساب الأزمنة. وكانوا في مرتبة أمراء أو علماء أو كهنة. ويذكر بعض المؤرخين اليونانيِّين أن “المجوس” كانوا يقدمون الذبائح ويؤدون طقوسـًا دينية، كما كان لهم أهمية خاصة في البلاط الملكيّ ـ في الشرق خاصة ـ إذ كان حكام الشرق يعتقدون أن حركة النجوم والفلك تعكس أحداثـًا ستتحقق في التاريخ؛ لذٰلك كانوا يسترشدون بهم في إدارة شؤون البلاد. وقد رأى هؤلاء المجوس نَجمـًا غريبـًا يظهر في السماء، وهو علامة على مولد ملك؛ فحملوا هداياهم وتبِعوا النَّجم حتى وصلوا إلى “بيت لحم” بعد أن التقَوا “هيرودُس” الملك. وعندما وصلوا إلى السيد المسيح، سجدوا له، وقدّموا له هداياهم مِن ذهب، ولُبان، ومُرّ.
النَّجم
هٰذا النجم لم يكُن نَجمـًا عاديـًّا كسائر النجوم، وإنما هو ظهور لقوة سماوية اتخذت هٰذا الشكل لإهداء المجوس إلى حيث يولد السيد المسيح. والأدلة على ذلك هي:
أولـًا: طريقة سير النجم: فسار النجم من الشَِّمال إلى الجنوب، في حين أن سائر النجوم تتحرك من الغرب إلى الشرق.
ثانيـًا: موعد ظهور النجم: كان يقود المجوس في رحلتهم التي عادة ما تكون في أثناء النهار ما يجعله أشد إضاءة من الشمس، في حين أن ضَوء النجوم لا يظهر إلا عند حلول الظلام واختفاء الشمس.
ثالثـًا: ظهور النَّجم واختفاؤه: لقد كان النَّجم يرشد المجوس إلى أن وصلوا إلى أورُشليم، ثم اختفى عنهم لحكمة إلٰهية وهي إعلان مولد السيد المسيح في أورُشليم لرؤساء الكهنة والكتبة؛ فقد أجابوا “هيرودُس” الملك قائلين: “«في بيت لحم اليهودية. لأنه هٰكذا مكتوب بالنبيّ: «وأنت يا بيت لحم، أرض يهوذا لستِ الصغرى بين رؤساء يهوذا، لأن منكِ يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل»”. ثم عاد النَّجم إلى الظهور مرة ثانية ليقودهم إلى “بيت لحم”.
رابعـًا: هبوط النَّجم: لقد تحرك النَّجم إلى أسفل ليرشد عن المذود حيث الصبيّ: “وإذا النَّجم الذي رأَوه في المشرق يتقدمهم حتى جاء ووقف فوقُ، حيث كان الصبيّ. فلما رأَوا النَّجم فرِحوا فرحـًا عظيمـًا جدًّا. وأتَوا إلى البيت، ورأَوا الصبيّ مع مريم أمه.” لقد قادهم النَّجم إلى البيت أيْ إنه تحرك ونزل حتى يتضح المكان بدقة.
لقد اجتذب الله المجوس إلى قصة الميلاد بالوسيلة التي يستطيعون بها فَهمها ألا وهي النجوم وحركاتها؛ فهم علماء الفلك. لقد أطاعوا ما رأَوه وتتبعوه، معرِّضين أنفسهم لمخاطر السفر، ومخاطر من “هيرودُس”؛ فالسبيل لم يكُن سهلـًا لهم. إلا أن الله أراد أن يُعلن أن السيد المسيح قد وُلد من أجل الإنسانية كلها؛ وبسبب أمانتهم وجَهدهم في الوصول إلى “بيت لحم”، أُعلن لهم في رؤيا أن لا يرجِعوا إلى الشر المتمثل في “هيرودُس”. وبينما قدَّم هؤلاء المجوس الغرباء الهدايا والإكرام للسيد المسيح، كان يدبِّر “هيرودُس” لقتل الطفل. وهٰذا هو ما جعل النَّجم يقود المجوس إلى حيث الصبيّ، في حين ظهر الملاك ليوسُِف لكي يهرب من “هيرودس”.
وكل عام وجميعكم ببركة وخير.
الأسقف العام ورئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ