يأتي الثاني والعشرون من أُغسطس ليحمل معه نسمات “عيد صعود جسد السيدة العذراء”، فكل عام وجميعكم بخير.
قصة “صوم السيدة العذراء”
عندما تنيحت “السيدة العذراء”، كان إلى جوارها تلاميذ “السيد المسيح” جميعًا ما عدا القديس “توما الرسول” الذي كان يبشر في “الهند” آنذاك، والذي في أثناء عودته من جولته التبشيرية رأى جسد السيدة العذراء تحمله الملائكة إلى السماء. وبينما هو ينظر هٰذا المشهد العجيب، إذا واحد من الملائكة يقول له أن يسرع ويتبارك من جسد “السيدة العذراء”! وعندما عاد القديس “توما الرسول” إلى “أورُشليم” سأل التلاميذ عن “السيدة العذراء”، فقالوا له إنها تنيحت. فطلب منهم: أريد أن أرى أين دفنتموها! وعندما ذهبوا إلى القبر لم يجدوا الجسد المبارَك!! فبدأ يقص عليهم ما رآه. فصام التلاميذ مدة خمس عشْرة يومًا حتى سمح الله لهم أن يرَوا جسد “السيدة العذراء” مرة أخرى، وكان ذٰلك في السادس عشَر من شهر مسرى.
ألقاب “السيدة العذراء”
تحمل “السيدة العذراء” كثيرًا من الألقاب، منها: “الملكة القائمة عن يمين الملك”، “أمنا القديسة العذراء”، “سُلَّم يعقوب”، “الحمامة الحسنة”، “السحابة” حيث شبهتها نبوة “إِشَعْياء النبيّ” (19: 1) في مجيئها إلى “مصر”: “وحي من جهة مِصر: هوَذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مِصر، فترتجف أوثان مِصر من وجهه، ويذوب قلب مِصر داخلها.”
رُموز “السيدة العذراء”
عديد من الرموز تشير إلى “السيدة العذراء” في “الكتاب المقدس”، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر: “خيمة الإجتماع”، “قِسط المَنّ”، “سُلَّم يعقوب”، “عصا هارون”، “باب حَزْقِيال”، “شُورْيَة هارون”.
• “خيمة الاجتماع”، فنرتل في القِطعة الأولى من “ثيئوتوكية الأحد”: [من يقدِر أن ينطق بكرامة القبة التي صنعها “موسي النبيّ” علي جبل سيناء؟ … شبهوكِ بها يا “مريم العذراء” القبة الحقيقية التي في داخلها الله].
• “قِسط المن”، إذ نسبِّح في “ثيئوتوكية الأحد” القطعة الرابعة: [أنتِ قسط الذهب النقيّ، المُخفَى المنُّ في وسطه خبزُ الحياة الذي نزل إلينا من السماء وأعطى الحياة للعالم. وأنت أيضًا يا “مريم العذراء” حملتِ في بطنكِ المَنَّ العقليَّ الذي أتى من الآب.].
• “سُلَّم يعقوب”، حيث نشدو في القطعة الثانية من “ثيئوتوكية الثلاثاء”: [أنتِ هي السُّلَّم التي رآها يعقوب ثابتةً على الأرض ومرتفعةً إلى السماء، والملائكة نازلون عليها.].
تمتلئ حياة “السيدة العذراء” بكثير من الفضائل، ولكننا سنتحدث عن فضيلة “الاحتمال” في حياتها.
“الاحتمال” لُغويًّا
هو “التجلُّد والصبَر”، وهٰذا يعني أن هناك ظروفًا ومواقف صعبة تمر بالإنسان فيتجلَّد (أيْ يتقوَّى) فيها ويصبِر عليها.
وفي حياة “السيدة العذراء”، نجد احتمالاً في كل مرحلة من حياتها، احتمالاً لمواقف عصيبة كادت تؤدي إلى هِزات عميقة إلا إنها احتملتها بجَلَد وصبر وشكر:
• مفارقة والدَيها
وُلدت العذراء بمدينة “الناصرة” حيث كان والداها لا يُنجبان. فلما جاء مِلء الزمان، أرسل الله ملاكًا ليبشر الشيخ “يواقيم” والدها حين كان يصلي، يخبره أن الله استجاب لصلواته وأنه سيكون له نسل مبارَك. صدَّق “يواقيم” كلمات الملاك له، وأخبر “حَنة” زوجته بما رأى، ففرِحت وشكرت الله، ونذرت نذرًا أن الذي تلده يكون خادمًا لله في بيته جميع أيام حياته. بعد ذٰلك، حبِلت “حَنة” وولدت ابنة دُعيت “مريم”، وقد كان ميلادها في الأول من بَشَنْس. وفي الثالث من كيهك، عندما صار لـ”مريم” ثلاث سنوات، أدخلتها أمها إلى الهيكل كما نذرت لها؛ ولنا أن نشعر بمشاعر تلك الطفلة التي تترك أبويها في سن صغيرة وتعيش في الهيكل تخدُِم وتسبّح. فكان أحد الأمور التي احتملتها في حياتها هو فراق والديها.
• حياة اليَُتْم
ولم يمر بضع سنوات حتى فقدت والدَيها وهي ما تزال في الثامنة؛ فكان اليَُتْم مصيرها وهي في سن مبكرة، فعاشت في الهيكل وهي طفلة لتحتمل حياة الوَحدة!! فالأوقات القليلة التي كانت تلتقي فيها والديها لم يعُد لها وجود!! وهٰكذا احتملت حياة اليَُتْم والوَحدة، منشغلةً بعِشرة الله وحياة التسبيح.
• الخروج من الهيكل
وفي سن الثانية عشْرة، تَقرر خروجها من الهيكل، لتحتمل ألمًا جديدًا وهو فراق المكان الذي عاشت فيه معظم سنوات عمرها، وأضحى ملجأها الأمين الذي أحبته من بعد فقدان والديها؛ فتركت حياة مستقرة اعتادت عليها إلى حياة أخرى وسْط العالم لا تدري عنها شيئًا، في كنف وحماية رجل طاعِن في السن لا تدري من أمره شيئًا.
• حياة الفقر
خرجت “السيدة العذراء” من الهيكل لتحيا في منزل “يوسف النجار”، ذٰلك الرجل الفقير الهَرِم،(“بكسر الراء” هو الشيخ الذي بلغ أقصى الكِبَر) لتستمر في حياة زاهدة فقيرة.
• ميلاد ابنها
عندما ولدت ابنها الوحيد، لم يكُن لهما موضع في مدينة “بيت لحم”، إذ لم يكُن لهما موضع في المنزل؛ واحتملت ذٰلك أيضًا. ما أصعب تلك الأمور التي مرت بها أمُّنا “السيدة العذراء”!! ففي قسوة الشتاء وبرده القارس لا تجد لها مكانًا لتلد فيه سوى مكان خُصص للحيوانات!! فتُضجِع طفلها الوليد في مذود، وهي تعلم أنه مدبر كل الكون وصانع كل الخليقة والمسكونة!!!
• الهروب لمِصر
ولم يكَد يستقر بها الحال، إلا وتجد أن حياة طفلها الصغير تتعرض للخطر من قِبل “هِيرُودُس” ملك البلاد الذي يسعى لقتله! فتهرُب هي وعائلتها إلى “مِصر” في رحلة شاقة، وتظل هاربة غريبة تتنقل من مكان إلى مكان في أرجاء “مِصر”، متعرضة لمعاملات جافة من بعض الناس فتحتمل طردهم لها ولوليدها من مدينة إلى أخرى!! وهٰكذا احتملت الغربة وكثيرًا من الآلام.
• سيف يجوز
احتملت “السيدة العذراء” أن “يجوز في نفسها سيف” بسبب ما لاقاه ابنها من اضطهادات وأنواع الإهانة، وأخيرا آلام الصلب وعاره وهو أصعب ما يمر بأم أو بأب: أن يرَيا موت ابنهما ـ الذي لم يكُن يجول إلا ليصنع خيرًا للبشر ـ وهما يسمعان ترديدات بشر: اُصلُبه! اُصلُبه! وهٰكذا تجتاز في نفسها آلام الظلم والعار والإهانات وأقسى أنواع الموت لابنها؛ إنها مشاعر قاسية احتملتها “السيدة العذراء” بصبر عجيب!!
لقد صارت حياة “السيدة العذراء” طريقًا للاحتمال خاضته بشكر على كل ما تعرضت له!
أعياد السيدة العذراء
السيدة العذراء لها مكانة كبيرة في كنيستنا، فنحتفل لها بعدد من الأعياد:
١. عيد البشارة بميلادها: في السابع من مِسْرَى، حيث بشر ملاك الرب أباها “يواقيم” بميلادها؛ ففرِح هو وأمها “حَنة” ونذَراها للرب.
٢. عيد ميلادها: وتعَيِّد له الكنيسة في الأول من بَشَنْس.
٣. عيد دخولها الهيكل: وتعَيِّد له الكنيسة في الثالث من كيهك، وهو اليوم الذي دخلت فيه لتتعبد في الهيكل في الدار المخصصة للعذارى.
٤. عيد مجيئها إلى “مِصر”: ومعها السيد المسيح والقديس “يوسف النجار”، وتُعَيِّد له الكنيسة في الرابع والعشرين من بَشَنْس.
٥. عيد نياحتها: في الحادي والعشرين من طُوبة، حيث تذكِّر الكنيسة أبناءها بالمعجزات التي جرت في ذٰلك اليوم حين كان حولها الآباء الرسل ما عدا القديس “توما الرسول” الذي كان وقتذاك يبشر في “الهند”.
٦. عيدها الشهريّ: في الحادي والعشرين من كل شهر قبطيّ، تَذكارًا لنياحتها.
٧. عيد صعود جسدها إلى السماء: وتعَيِّد له الكنيسة في السادس عشَر من مسرى الذي يوافق الثاني والعشرين من أُغسطس ويسبقه “صوم العذراء” بـ١٥ يومًا.
٨. عيد معجزتها “حالَّة الحديد”: وهو الحادي والعشرون من بَؤونة حيث نذكُر معجزات في فك أَسر القديس “مَتِّياس الرسول” ومن معه، بحَل الحديد الذي قُيدوا به. ونعَيِّد أيضًا لبناء أول كنيسة على اسمها في مدينة “فِيلِّبي”.
٩. عيد ظهورها في “الزيتون”: على قِباب كنيستها في الثاني من أبريل سنة ١٩٦٨م، ويوافق الرابع والعشرين من بَرَمْهات. وتوالت الظهورات ليفرح بها المِصريُّون جميعًا.
وإضافة إلى كل هٰذه، نحتفل طوال شهر كِيَهْك بتسابيح كلها عن كرامة “السيدة العذراء الملكة”.