تهنئة من القلب في عيد الميلاد المجيد، متمنيـًا من الله أن يملأ حياتكم بالسلام والطمأنينة والهدوء والبركة. في يوم ميلاد السيد المسيح، يا إخوتي، أتحدث عن رسالة الحب التي قدَّمها السيد المسيح إلى البشرية. ففي محبته أتى متواضعـًا ليقبل إليه كل نفس متواضعة فيرفعها معه إلى العُِلْو. وفي محبته اهتم بكل نفس إنسانية؛ اهتم: بالخطاة، بالضعفاء، بالأطفال، بالمتألمين.
اهتم بالخطاة.
اهتم السيد المسيح بالخطاة، ولم يرفضهم بل قبِلهم، بل لم يرفض إنسانـًا لجأ إليه؛ فشعر العشارون والخطاة بمحبته، وتغيرت حياتهم بتوبة عميقة حتى صار “متى” العشار تلميذًا له، وقدَّم “زكّا” العشّار من أمواله إلى كل من ظلمه. ومع انتقادات الفَريسيِّين للسيد المسيح حين سألوا التلاميذ:“«لماذا يأكل معلمكم مع العشارين والخطاة؟»”، إلا أن إجابته كانت:”«لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى. فاذهبوا وتعلموا ما هو: إني أريد رحمة لا ذبيحة، لأني لم آتِ لأدعو أبرارًا بل خطاة إلى التوبة».
اهتم بالضعفاء.
لم يبحث السيد المسيح عن الأنفس القوية التي ترى أنها قوية أو بارة، بل كان يسعى نحو كل نفس ترى أنها ضعيفة وتحتاج إليه. فذٰلك الأب الذي جاء وخرَّ عند قدميه يطلب إليه أن يشفي ابنه المريض المعذب من الأرواح النجسة، ينال ما تمنى ويذهب مع ابنه بعد أن شُفِيَ. وتلك المرأة الكَنعانية التي تصرخ إليه من أجل ابنتها، يُعطيها سؤل قلبها موضحـًا إيمانها العميق الذي لم يجد له مثالـًا ولا في كل شعب إسرائيل!
أيضًا اهتم السيد المسيح بأن يعلِّم الشعب؛ فكان يتبعه كثيرون لسماع كلماته وتعاليمه. وكان الشعب يسعى إلى حيث يوجد السيد المسيح: “فتراكضوا إلى هناك من جميع المدن مشاةً، وسبقوهم واجتمعوا إليه. فلما خرج يسوع رأى جمعـًا كثيرًا، فتحنن عليهم إذ كانوا كخراف لا راعي لها، فابتدأ يعلِّمهم كثيرًا”. وقد كانت كلماته تؤثر في الشعب حتى: “بُهتت الجموع من تعليمه لأنه كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة”.
اهتم بالأطفال
لقد ظهرت محبة السيد المسيح نحو الأطفال بدرجة عظيمة؛ إذ حين انتهر التلاميذ الأطفال الذين حاولوا الاقتراب من المُعلِّم، قال لهم: «دعوا الأولاد يأتون إلى ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله».
لقد كانت رسالة السيد المسيح رسالة محبة؛ ومنها صارت رسالة كل مَسيحيّ. وقد أعجبتني قصة رمزية قرأتُها عن المحبة.. ففي أحد الحقول التي غٌرست فيها أشجار عيد الميلاد، جاءت حمامة تطلب إلى الأشجار أن تُضَيِّفها لتقيم عُشـًا بين أغصانها تضع فيه بيضها. لٰكن الأشجار اعتذرت لعدم رغبتها في أن يُقام العُش بين أغصانها، لأنه سيوضع مدة طويلة وسيصبح ثِقْلـًا على الأغصان الحديثة فلا تحتمله. واعتذرت أشجار أُخري بأن العُش سيُفسد جمال الشجرة فيبتعد عنها من يرغب في شرائها، فتأتي احتفالات عيد الميلاد المجيد دون أن تزيَّن؛ وهٰكذا لم ترحب إلا شجرة واحدة، صغيرة، حملت محبة للحمامة الصغيرة التي بدأت في بناء عُشها. وفي الشتاء القارس، أحْنت الشجرة فروعها بحنو لتحمي الحمامة وبيضها من البرد الشديد. وظلت هٰكذا منحنية حتى فقس البيض، وكبُِر الحمام الصغير وطار. وحين حاولت الشجرة أن ترتفع مرة أخرى، لم تستطِع وظلت منحنية!
وعندما اقترب عيد الميلاد المجيد، جاء التجار يقطعون أشجار العيد لتزيينها وبيعها في استقبالهم للعيد. وظلت الشجرة وحيدة إذ رفضها الجميع لانحنائها. فتساءلت الشجرة: أتراني أخطأتُ حين انحنيت لأحمي الحمامة وبيضها وصغارها؟! فوجدت الإجابة تتردد في أعماقها: الحب الذي قدمتُه هو الزينة التي تفرّح قلب مولود المذود! ولن أندم أبدًا على عمل محبة صنعتُه! وبعد أيام قليلة، جاء رجل كان قد اشترى بيتـًا حديثـًا يرغب في غرس شجرة في حديقته؛ فأعجب بهٰذه الشجرة، واقتلعها بجذورها، وغرسها في الحديقة الأمامية للمنزل الجديد.
وفي عيد الميلاد المجيد، زيَّن الرجل الشجرة التي فرحت فرحـًا عظيمـًا جدًّا. وبمرور العيد جفت كل الأشجار المقطوعة وأُلقيت، أمّا الشجرة المنحنية فكانت تنمو إذ بدأت جذورها تدِب في الأرض الجديدة؛ بل كانت تزيَّن في كل عيد للميلاد وفي كل مناسبة سعيدة!! وهٰكذا المحبة التي قدمها إلينا وليد المذود وتعلمناها منه: “لا تسقط أبدًا”.
وكل عام وجميعكم ببركة وخير.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي