تهللت الملائكة في ليلة الميلاد بأنشودة سُطرت على قلوب البشر قبل أن تُخط في صفحات التاريخ: “المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة.”؛ ليقدم لنا الميلاد في كل عام تذكرة وتأكيدًا لمفاهيم يجب أن يعيشها الإنسان في رحلة حياته منها: رسالة السلام، ورسالة الفرح.
السلام
فُقد السلام في حياة البشر حين اختار الإنسان أن ينفصل عن الله ولا يطيع وصاياه، فنرى الخوف وقد دخل إلى حياة أبوينا آدم وحواء، فاقدَين سلامهما الذي كانا يتمتعان به. وازدادت شراسة الخوف وعدم الإحساس بالأمان بعد أن امتدت يد الإنسان لتقتُل شقيقه حسدًا وكراهيةً. وهٰكذا سرت مشاعر الخوف والقلق في البشرية وتاهت معالم السلام.
ومع ميلاد السيد المسيح “رئيس السلام”، كما تنبأ عنه “إشَعْياء النبيّ” قديمًا: “لأنه يولَد لنا ولد ونُعطَى ابنـًا، وتكون الرياسة على كتفه، ويُدعى اسمه عجيبـًا، مشيرًا، إلٰهـًا قديرًا، أبـًا أبديـًّا، رئيس السلام.”، أعلنت السماء عودة السلام إلى الأرض. إلا أن من قواعد تحقيق السلام هي المحبة والخير. وقد ركزت تعاليم السيد المسيح في مفهوم المحبة نحو جميع البشر، فكان يجول يصنع خيرًا لكل إنسان: يشفي المرضى، يقيم الموتى، يهب البصر للعميان، يطعم آلافـًا، يعلّم الجميع. وقد وعد السيد المسيح تلاميذه بأن يهب لهم السلام الثابت الذي لا يستطيع العالم بأسره أن ينتزعه منهم، فقال: “سلامـًا أترك لكم. سلامي أُعطيكم. ليس كما يُعطِي العالم أُعطيكم أنا. لا تضطرب قلوبكم ولا تَرهَب.”
وهٰكذا أصبحت رسالة الميلاد أن نتذكر أن دورنا هو اتباع خطى السيد المسيح؛ فإن كان هو قد جاء ليعيد السلام المفقود بين الإنسان والله وبين الإنسان وإخوته من البشر، فإننا حين نسلك في هٰذا السلام تجاه الآخرين نكون حتمـًا سائرين في طريق السيد المسيح. وصنع السلام هو صفة من صفات الإنسان المحب للجميع، الذي يسلك في طريق الخير، الممتلئة حياته بسلام داخليّ، الحريص على نشر السلام في الأرض.
نعم، العالم في أشد الاحتياج إلى السلام، ولن يتحقق إلا بوجود الرغبة الحقيقية في أعماقنا لرفض الكراهية التي لا تجلُِب سوى الموت والدمار وفقدان السلام. وبتقارب البشر معـًا، في محاولات أمينة لفَهم بعضهم بعضـًا، بصفتهم عائلة إنسانية واحدة في نهاية الأمر، تجتاز نفس المصير الواحد، سوف يتحقق السلام، وبالأخص حين يقترب الإنسان قربـًا حقيقيـًّا إلى الله ويتعلم أنه “هو صانع السلام في أعاليه” ومطوّب صانعي السلام؛ فيُدرك الإنسان مدى المسؤولية الملقاة على عاتقه نحو العمل من أجل “سلام العالم”: الذي يبدأ داخل كل نفس أولاً، ثم يُنير بوميضه رويدًا رويدًا حتى يشع بالمحبة على الجميع. وبالسلام تعرف البشرية المعنى الحقيقي للفرح والسعادة.
أهنئكم بـ”عيد الميلاد”، وأطلب إلى الله أن يُقبل هٰذا العام مملوءًا سلامـًا وخيرًا لكم جميعـًا.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ