بدأنا الحديث عن رفيق لا يستطيع الإنسان التنصل منه أثناء مسيره فى رحلة الحياة: “الضمير”؛ وقدمنا التعريف اللُّغوى له، ورؤية العلماء والمفكرين والفلاسفة للضمير الإنسانى. ويؤكد علماء النفس أن ضمائر البشر تتباين ما بين السوية والمنحرفة بدرجات واتجاهات متفاوتة؛ فعلى سبيل المثال: هناك الضمائر الواسعة أو المتراخية، وهناك الضيقة أو القاسية. كذٰلك أشاروا إلى وجود الضمير الفردى الذى يحكم حياة الشخص من جهة رؤيته لذاته وسلوكه وعَلاقاته بالآخرين، وإلى الضمير الجماعى الذى يشتمل على مجموعة من الناس، أو قد يشمل شعبًا بأكمله، ويظهر فى الأوقات العصيبة والحرجة وأوقات الأخطار التى تمر بالشُّعوب. وفى كثير من المواقف، قد يتأثر الضمير الإنسانى للفرد بضمير الأغلبية وبخاصة فى ما يُسمى بالعادات والتقاليد، فنجد الفرد يتخذ مواقف وسلوكيات مغايرة لتلك التى كان يمكن أن يتخذها وهو بمفرده؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر: سلوك “الأخذ بالثأر” عندما تجد الأغلبيةَ وهى تتهم الإنسان بالضعف والخسة إن لم يتَّبعه ويأخذ بثأره !!
وكثيرًا ما يتساءل البشر: أتنحرف الضمائر، أو ـ كما يُطلِق البعض ـ تموت الضمائر؟ نعم، يمكن أن ينحرف ضمير الإنسان من خلال ما يُغرس فيه من أفكار منذ الصغر فينمو على معتقدات خاطئة تؤدى إلى سلوكيات مرفوضة؛ ونجد مثال ذٰلك: الأطفال الذين ينشأون فى بيئة تعتبر الغش والخداع ذكاءً، والسرقة مهارة، والكسل راحة، والتعدى على الآخرين قوة ! ويجدون من يغرسون ويدعمون مثل تلك المفاهيم الخاطئة فى أذهانهم؛ فماذا ستجد منهم وقت الحصاد ؟! أو عندما تتكسر مبادئ الإنسان أمام ما يعتقد أنها مصلحته الشخصية؛ فيسلك كيفما يشاء دون مراعاة للآخرين: ألا يكون ذٰلك انحرافًا فى الضمير؟! والضمير المنحرف يقود الإنسان إلى: القتل، والكذب، والغش، والخداع، وجَرح مشاعر الآخرين وإيلامهم؛ فى إطار من المبررات والأفكار التى يضعها العقل أمامه. أمّا موت الضمير، فأعتقد أن ضمير الإنسان لا يموت، إنما كما سبق أن ذكرتُ يمكن تكوينه وتنشئته بأسلوب خاطئ؛ ومن ثَم فهو متيقظ، وإنما يسلك الإنسان وَفق المبادئ التى تعلمها، وتكمن حينئذ المشكلة فى تلك المبادئ غير الصحيحة التى غُرست فيه. أمّا من يضع التبريرات من أجل تحقيق مصالح شخصية، فلن يعرِف طعم الراحة إذ كما يقولون: “لا سعادة تعادل راحة الضمير”. ولهٰذا على مثل ذٰلك الإنسان أن يُدرك أنه قد ينجو من عقاب القانون، ولٰكنه لن يفر من عقاب الضمير حين تسقط المبررات ويُنتزع قناع غش الإنسان لنفسه.
أما عن الضمير السوى، فيكون كما وصفه بعضٌ: “أفضل صديق للإنسان”، إذ يدفع به نحو المبادئ والسعادة والراحة. قد يكون ما تبذُله أيها الإنسان من جُهد مرهقًا أو مؤلمًا حين يجد نفسك كأنك وحيدًا فى اتّباع ضمير سوى صالح. فقط ثِق أن هناك آخرين يسلكون بضمير سويّ، وأنك حين تسلك هٰكذا فأنت تكتسب احترامك لذاتك، واحترام الآخرين لك وإن اختلفوا معك. إن الضمير هو أحد أسرار الإنسانية، وقد عبر الكاتب الأديب “توفيق الحكيم” فقال: “ليس العقل ما يميز الإنسان عن الحيوان، وإنما الضمير.”.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى