نمضي في رحلة الحياة، وتتعدد المواقف التي تصادفنا: فمنها ما يُحزن قلوبنا ويؤلمها، ومنها ما يُسعدها ويخفف عنها مصاعب الطريق. إلا أن أعظم ما يساعدنا على تخطي الأزمات ونِسيانها والتحرك دائمًا نحو الأمام في مسيرتنا: “قوة التسامح”.
التسامح في الحياة هو قوة وقدرة لا يعرفانها إلا من عاشهما؛ فإن كان بعضٌ يظنون أن في التسامح ضعفًا فقد جانبهم الصواب، إذ هو يحتاج قوة أكبر وأعظم من تلك التي يستخدمها من يبحث عن الانتقام!! يقولون: “النُّفوس الكبيرة وحدها تعرِف كيفية التسامح”. وحين تُسامح: فأنت ترتفع وترتقي عن ذٰلك الشخص الذي أساء إليك، وبينما أنت تستعد للانتقام تكون قد استسلمت للضعف!!
والتسامح يوقف سلسلة العنف في حياة البشر، فلو استمر الإنسان يقابل الإساءة بالإساءة، لظل البشر يهوُون في انحدار شديد نحو التدمير والاستباحة والعنف حتى تُفقد إنسانيتهم ويدمر بعضهم بعضًا!! والإنسان الذي قرر ألا يسامح، فإنه قد أصدر قرارًا أن يحيا في معاناة دائمة، في ظل صراعات داخلية وتوترات لن تصل به إلا إلى التأثير السلبيّ جسديًّا ونفسيًّا!! إن سيطرة أفكار الانتقام وعدم المسامحة في حياة الشخص لَتؤدي إلى الشعور بالصداع، والتوتر، والانفعال، وعدم السعادة.
الإنسان المسامح: هو إنسان تعلم المحبة في حياته، فقدرته على المسامحة تحتاج إلى كثير من المحبة يقدمها للمسيئين إليه، ومن خلال قوة الحب والتسامح تُصنع المعجزات. أيضًا التسامح هو طريق الإنسان نحو السلام: فما أعظم شعور الراحة والسلام اللذين يكتنفان حياة كل متسامح! إذ التسامح يدفع عن قلبه كل حقد أو ضغينة أو رغبة في الانتقام، واضعًا مكانها: الحب، والغفران، والمشاعر الحنونة الرقيقة التي تجعله يشعر بالسلام نحو الله، وفي أعماق نفسه، ونحو الآخرين. أعجبتني كلمات تقول: “هل تريد السلام؟ التسامح هو طريق السلام. هل تريد السعادة، والعقل الهادئ، والقيمة، والجمال الذي يتخطى هٰذا العالم، والراحة الدائمة العميقة؟ التسامح هو طريقك إلى كل هٰذه.” إنه في التسامح يُبعد الإنسان نفسه عن المشاعر المتوترة التي تنتج عن مواقف الحياة وإساءات البشر، لينطلق نحو السماء بهدوئها وسلامها وأفراحها.
لقد علّمنا السيد المسيح أن التسامح هو رحلة الإنسان نحو الكمال: “سمِعتم أنه قيل: تحب قريبك وتُبغض عدوك. وأمّا أنا فأقول لكم: أحِبوا أعداءكم، باركِوا لاعِنيكم، أحسِنوا إلى مبغضيكم، وصلُّوا لأجل الذين يُسيئون إليكم ويطردونكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات، فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويُمطر على الأبرار والظالمين. لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم، فأيّ أجر لكم؟! أليس العشارون أيضا يفعلون ذٰلك؟! وإن سلمتم على إخوتكم فقط، فأيّ فضل تصنعون؟! أليس العشارون أيضًا يفعلون هٰكذا؟! فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل.”.