أحد انحناءات طريق الحياة التى يعبر بها البشر من حين إلى آخر، والتى تحدد معالم طرقهم ووجهاتهم يكمن فى اختيار الإنسان: إما أن يتغلب على مشاعر الغَيرة السلبية، وإما أن يستسلم لها فتلقى بظلالها بين الآن والآخر على مسيرة حياته.
أحد انحناءات طريق الحياة التى يعبر بها البشر من حين إلى آخر، والتى تحدد معالم طرقهم ووجهاتهم يكمن فى اختيار الإنسان: إما أن يتغلب على مشاعر الغَيرة السلبية، وإما أن يستسلم لها فتلقى بظلالها بين الآن والآخر على مسيرة حياته.
وتتعدد أسباب الغَيرة في حياة البشر: فمنهم من تنتابه عندما يجد نفسه لا يملِك ما يحوزه الآخرون على المستوى الماديّ أو الإمكانات والمواهب الشخصية أو النجاحات أو غيرها، ومنهم من يحاول مزجها بمفهوم المحبة.
إلا أننا يجب أن ندرك خطر مشاعر الغَيرة على ملامح الحياة التي نرغب أن نحياها إذ تؤثر تأثيرًا عظيمًا في مسيرتنا وسعادتنا، وما يمكننا أن نحققه من إنجازات؛ إنها تقود إلى التيه في دُروب الحياة. أتفق بدرجة كبيرة مع كلمات الكاتب والفيلسوف الروسيّ “فيودور دوستويفسكي”: “لنعترف بأن الغَيرة عاطفة جامحة، بل لنقُل أكثر من ذٰلك: إنها كارثة حقيقية!”. ولٰكن، لماذا هي كارثة حقيقية؟!
أولًا: الغَيرة تملأ مشاعر الإنسان وقلبه بنبضات سلبية تجاه نفسه والآخرين؛ وهٰذه بدورها تؤثر في أسلوب تفكيره فتملؤه بالفوضى؛ يقول “ماريو بارغاس يوسا” الكاتب الصحفيّ السياسيّ في دولة “بيرو”: “الغَيرة تشوش العقل، ولا تسمح بالتفكير المتعقل…”؛ ومن ثَم لا تُفضي إلا إلى سلوك غير متوازن، يفقد فيه الإنسان صواب الرؤية والحكم؛ فيؤتي أفعالًا قد تؤول إلى تدمير حياته أولًا قبل أن تؤثر سلبًا في الآخرين.
وهنا أتذكر أول غَيرة مع بَدء التاريخ الإنسانيّ والتي تتسببت في أول جريمة قتل: عندما غار “قابيل” من أخيه “هابيل” وظلت تتفاقم مشاعره وأفكاره السلبية في داخله دون أن يقاومها أو يعدّلها حتى امتدت يداه لتُجهز على أخيه فأضحت غَيرته جريمة شنعاء؛ ومن تلك اللحظة ظل القاتل هائمًا على وجهه دون أن يعرِف معنى السلام أو الراحة.
ثانيًا: الغَيرة تضلل عن تبصر الأمور على حقيقتها؛ هناك مثل أرﭼنتينيّ: “متى دخلت الغَيرة إلى القلب خرجت الحقيقة من الرأس!”؛ إذ كيف لإنسان تملؤه مشاعر الغيرة أن يقيّم نفسه والآخرين بأسلوب موضوعيّ سليم، وهو منشغل بتركيز رؤيته في شخص ما دون سواه ومن جانب واحد فقط؟!! كيف سيرى إيجابياته وسلبياته؟! وكيف سيحكم بالعدل على ما يمارسه من أفعال، وهو يسير مغمض العينين بمشاعر وأفكار سلبية؟! أمّا الأمر الأكثر صعوبة، فهو رفض ذٰلك الإنسان الاعتراف بغَيرته وبذا يغلق أبواب الأمل في اجتيازه شعوره السلبيّ؛ بل على النقيض يضع التبريرات لما يعتقده ويشعر به مثل المحبة والخوف على الآخرين وغيرهما؛ وهٰذه أبعد ما يكون عن الحقيقة كما يقول المثل القبرصيّ: “الغَيرة تشل الحب.”.
ثالثًا: الغَيرة تُعيق الإنسان عن الانطلاق نحو عمله وتحقيق أهدافه إذ ينشغل بالآخرين متناسيًا رسالته في الحياة و… وللحديث بقية.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ.