أسئلة ترددت أصداؤها فى فكرى ، ولا ريب أنها منذ القدم انطلقت تحاول البحث عن إجابات فى فكر كثيرين: ماذا لو لم يتفق العالم على السلام ؟! وحينذاك: ماذا كان يصبح معنى الحياة ؟ وماذا كان يعنى الموت ؟! البناء والهدم ؟! ماذا لو وقف العالم موقف المشاهد من آلام الآخرين وحاجاتهم ؟! ماذا لو سقطت المبادئ والإنسانية ؟! لا شك أن فقدان السلام فى حياة البشر هو أمر مروع يحيد بمعنى الحياة التى خُلقنا من أجلها. ولا شك أن فقدان القيم والمبادئ والإنسانية لن يقود إلا إلى مزيد من التيه فى طريق الحياة، وحينذاك صار الألم لا لمن ظلموا بل للجميع؛ تلك هى الرسالة الأولى التى قدمتها لنا صفحات التاريخ.
لا مفر من أن العالم الآن لم يعُد جُزرًا منفصلة بعضها عن بعض، تنأى كل منها عن الأخرى ولا تتأثر بأحوالها، إنما ـ كما يقال: “قرية صغيرة”؛ عائلة كبيرة عليها أن تُدرك قيمة الحياة وتتعلمها معًا؛ على كل فرد منها أن يعى دوره من أجل الحفاظ على قوة أفراد العائلة ووحدتهم وتماسكهم، وإن تكاسل أحدهم أو آثر مصلحته الشخصية فلن نجد سوى طريق واحد: الانقسام الذى يسرع بنا فى خطوات تُسابق بعضها بعضًا نحو الدمار! إننا بنظرة سريعة فى الحروب والصراعات التى اشتعلت فى أىّ مكان أو زمان، لا نجد إلا الفقدان والألم والحسرة والدمار لجميع الأطراف، لا للبشر وحدهم: بل للأرض بكل ما تحمل من سمات الحياة، وللحضارة بكل ما شُيد من أعمال وبناء وتقدم، للقيم والمبادئ، للآمال والأحلام، للإنسانية.
على سبيل المثال، حين اندلعت الحرب العالمية الأولى ( 1914-1918م ) ، قُدرت خسائر البشر بما يفوق سبعة وثلاثين مليونًا من الجُنود بين قتلى وجرحى وأسرى ومفقودين، وفُقدت المزروعات والمواشى والمنازل والمصانع والثروات الطبيعية وغيرها. وعندما ساد السلام ، لم تتبقَّ القوى البشرية التي يمكنها إعادة بناء ما دُمر وإعماره ؛ وهكذا احتاجت البشرية من أجل إعادة البناء مزيدًا من الجهد والوقت والإمكانات، وإن كانت قد استعادت بعض ما فُقد من عمران أو اقتصاد إلخ، لكنها لم تتمكن من استرجاع كل شيء وبالأخص البشر !
إن السعى نحو تحقيق السلام فى العالم لم يعُد أمرًا من أجل الرفاهية، إنما هو نحو الحياة من أجل الجميع، ولن يتحقق إلا بالجميع. وخلاصة القول: بَدء السلام ينبَع من أعماق كل إنسان أولاً كى يسرى إلى كِيان المجموع الإنسانى منسابًا فى العالم بأسره؛ يبدأ بمد يد الخير بين البشر بعضهم إلى بعض، فإننا جميعًا نُبحر فى دُروب الحياة على متن قارب واحد لن يصل إلى وجهته إلا بسلام مشترك وجُهد موحَّد لا ينضُبان. ليكُن السلام هو هدفنا وطريقنا في رحلة الحياة .
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطى الأرثوذكسى