بدأنا الحديث عن سِير د. “مجدى يعقوب”: “الأسطورة” التى تعيش بيننا، وتملِك من الإنسانية أعظم سماتها وأرق مشاعرها وأقوى مبادئها، إذ كان صاحب رسالة وطريق رسمه منذ نعومة أظافره وسار على دربه حتى اليوم، فى محاولة ناجحة جدًّا لتخفيف آلام البشرية ونزع الأحزان عنها، وإن كان الثمن راحته! ودائمًا ما أتذكر كلمات المتنيح “البابا شنودة الثالث”: “أمامنا طريقان: إما أن نتعب ويستريح الناس، وإما أن نستريح نحن ويتعب الناس.”؛ والعظماء دائمًا يختارون إراحة البشر.
لقد كان دافعه الحقيقى من الالتحاق بكلية الطب إنسانيًّا بحتًا أن يخدُم المتألمين من المرضى؛ فكثيرًا ما كان يردد فى لقاءاته: “أنا مؤمن بالإنسانية”، وكان دائم الانشغال بخدمة الإنسانية التى تظل أهم ما نملِكه فى كل زمان. وهٰكذا صارت حياة بروفيسور سِير د. “مجدى يعقوب” : لم تعرِف إلا معنى العطاء، خاصة لمن ليس لديهم، فاختار أن يقدم حياته وجُهده ووقته وإمكاناته للفقراء، غير منتظرٍ مقابلاً، كأنه شمعة تشتعل لتُسعد بانتشار وهج نورها حياة من حولها مضفيةً ملامح السعادة على حياتهم.
ومن منطلق هٰذا العطاء الباذل المحترق، تصدى لكثير من العقبات والتحديات فى رحلة حياته. وقرأت قصة سردها طبيب مصر العالمى ذات مرة عن ابنته حين قررت أن تلتحق بكلية الطب: فبعد أحد اللقاءات، عادت مضطربةً باكيةً لتقص على والدها ما حدث لها، فإذا به يقول لها: “إذا كنت تضطربين وتبكين فى أول تحدٍّ تواجهينه، فهٰذا يعنى أن مهنة الطب ليست لك! فهٰذه المهنة هى أكثر المهن المليئة بالتحديات”.
وفى إنسانية سِير د. “مجدى يعقوب” العظيمة قدم ما يملِك من علم لأطباء كثيرين من أنحاء العالم تدربوا على يديه، من منطلق أن الأولوية هى لإنقاذ حياة إنسان التى لا تحتمل انتظارًا حتى يُجرى هو بنفسه الجراحة اللازمة له.
وحين تتحدث إلى سِير د. “مجدى يعقوب”، تجد نفسك أمام شخصية عميقة نقشت ثقافتها الواسعة ملامحها على كلماتها؛ يتحدث إليك بمعرفة تعبّر عن اطلاعه الواسع على أنواع العلوم والآداب والفلسفات؛ فهو كما يقول دائمًا : “أستيقظ فى الثالثة صباحًا لأقرأ أحدث مقالات «Nature»”؛ كل ذٰلك فى إطار شخصية رقيقة بسيطة اتخذت ملامحها البريئة من آلاف من الأطفال أجرى لهم جراحات فى القلب حتى إنه يملِك قلبًا متسامحًا مع الجميع.
وعلى الرغم من أن سِير د. “مجدى يعقوب” نال كثيرًا من التكريمات العالمية، فإن تكريم “جامعة بيروت” له تقديرًا لإسهاماته العلمية والإنسانية الكبيرة فى مجال الطب يُعد أحدثها. إلا أن المحبة العميقة التى امتلأت بها قلوب البسطاء وعبّروا عنها بكلمات بسيطة هى اعتراف شعبى وتتويج له ملكًا على القلوب؛ ومن هٰذه الكلمات : “د. «مجدى يعقوب» مش مجرد جراح قلب معجزة، ولا حتى عالم فى الطب، د. «مجدى يعقوب» منظومة نجاح كاملة فى كل حاجة”، “دايمًا بأحس بشعور عظيم لما بأشوف د. «مجدى يعقوب» أو أى شيء يخصه”، “أرسل الله إلينا د. «مجدى يعقوب» ليعطينا أملاً فى الإنسانية واستمراريتها”. إنه “ملك القلوب”.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى