استكملت فى المقالة السابقة حوارًا عن الحياة، والثقة التى تكسب الحياة معنى، وأولها ثقتنا بالله – تبارك اسمه – التى تمنحنا الاطمئنان ونحن نؤدى رسالتنا فى مسيرة الحياة، ومن كانت لهم رسالة فى الحياة وعمِلوا من أجل تحقيقها نالوا التقدير والمحبة والمكانة، ومنهم من نال المال أو السلطة، ومنهم من صنع الإنجازات التى حصدت البشرية بأسرها ثمارها.
قال: ولكن فى الحياة من حققوا النجاح والإنجازات، غير معترفين ولا مؤمنين بوجود الله!!! أجبته: نعم؛ وهذا ليس بالأمر الغريب، إنه علينا أن ندرك بعض أمور الحياة من خلال معاملات الله مع البشر. أولاً: أن الله عادل ويحب العدل ولا يضيع عمل إنسان أو جُهده؛ فمن يعمل بكد وأمانة لا بد أن يحقق نجاحًا فيما يفعله. أمرًا آخر: أن النجاح الذى حققوه أو ما أنجزوه هو نتاج لتلك المواهب التى وضعها الله فى حياتهم، وهو بالأحرى لدليل على وجود الله ومحبته لهم. نقطة ثالثة: يجب أن نفهم ونعى مبدأ “حرية الإنسان”: أن الله وهب للإنسان حرية وهو – تبارك اسمه – يحترمها وهذا يتبعه نتيجة مهمة جدًّا: أن كل إنسان سوف يحاسَب عن جميع أمور حياته من أفعال واختيارات. أمّا عن الاختلاف الذى يكون بين من يثق ويؤمن ومن يتشكك غير مؤمن، فيكمن فى اختلاف المشاعر التى تمر بكل نوع منهما فى رحلة الحياة وقت القيام بالأعمال؛ فمن يثق بوجود الله يعمل ومشاعر الراحة والسلام والسعادة تملأ أعماقه، فى حين أن الآخر دائم الشعور بالألم والقلق ولا تمر به لحظات السعادة كثيرًا، والأهم أنه يشعر بافتقاده أمرًا ما فى حياته يسلُبه سعادتها الحقيقية وبهجتها! إن موضوع ثقة الإنسان بالله، يا صديقي، هو موضوع كبير جدُّا ينطوى على معنى الوجود والحياة.
تساءل: أهذه هى الثقة الوحيدة التى تلزم الإنسان فى الحياة؟ قلت: هى الثقة الأولى التى علينا أن نعيها وندركها فى داخلنا، ويكون لنا إيمان عميق تارك علاماته، لا فى كلماتنا فقط؛ بل فى كل عمل نؤديه فى الحياة. ولكن، توجد أيضًا الثقة بالخير. سأل: ماذا تعنى بالثقة بالخير؟! قلت: أعنى أن الخير عائد لا محالة؛ لأن ما تزرعه اليوم تحصُده غدًا، أعنى أنه فى مفترقات طريق الحياة، يظن بعضهم أنه يستطيع جنى ثمار جيدة من أشواك الشر أو الخطأ، ربما هى ثمار سريعة لكنها ليست مستمرة، ربما تبدو خيرًا وهى فى باطنها شر أو ضرر؛ ولكن النهاية حتمًا ستكون فى جانب الخير. قال: ولكننى لا أرى أن الحياة تهب نصرة الخير فى كثير من الأحيان؛ فإذا أمعنا النظر سنجد أن الخير كثيرًا ما يُسدَل عليه أستار الظلام ولا تجده. قلت: عفوًا، يا صديقي! لا أوافقك الرأي؛ فلا ظلام يستمر، بل كلما أحكم الظلام قبضته كان ذلك إعلانًا بأن اشراقة الخير تقترب جدًّا. وللحديث بقية…
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسيّ.