قال لى: لقد بدأت كلماتك بأن الحياة ليست بساعاتها التى يحياها الإنسان بل بما يحققه فيها، متغلبًا على ما يصادفه من مشكلات واضطرابات، وهو سائر مستندًا إلى ثقته بالله وإيقانه بالخير؛ أترى هناك ثمة ثقة أخرى يحتاج إليها الإنسان فى رحلة الحياة؟! نظرت إليه قائلاً: نعم، ثقة بعدل الله – تبارك اسمه: أولًا: عدل الله مع الإنسان، وثانيًا: عدل الله فى حياته. تدفقت الكلمات سريعة منه قائلاً: عذرًا! لكننى لا أرى أى عدل بين البشر، أو ثمة نوع من الإنصاف فى هذه الحياة!! فرُب عدل سنراه فى الحياة الأبدية، لكننى لا أعتقد أنه قائم بيننا الآن! مرت لحظات صمت، ثم أجبته: ربما هذا هو حكمك على ما تراه من أمور وأحداث تعصف بالعالم، لكن لنتمهل قليلاً.
بدايةً، دعنا نتحدث عن عدل الله تجاه الإنسان: ألا ترى أن الله قد وهب لكل إنسان ملكات ومواهب تجعله متمايزًا عن غيره، وأنه لا شخصيتين متطابقتين فى العالم؛ حتى فى المجال الواحد تجد لكل إنسان إبداعاته وتميزه. قال: نعم، لكن، ماذا عمن لا تتاح له الفرصة؟! أسرعت قائلا: الله يهب له الملكات وعليه أن يكتشفها ويستخدمها وينميها؛ وهذا يحتاج إلى عمله وجِده. أتدرى ما هى المشكلة الحقيقية فى حياة كثيرين؟ أجابنى: أنهم لا يكتشفون ما لديهم من إمكانات! قلت: أريد أن أكون أكثر دقة: أنهم لا يرغبون فى الاقتناع بأن لكل إنسان موهبة من الله وأنه خُلق من أجل حياة مثمرة يحقق فيها النجاحات، ومن ثَم فعليه اكتشاف كنوزه الموهوبة وتنميتها واستثمارها لخير حياته وحياة الآخرين. فكل ما أودعه الله فينا هو للخير أولاً وأخيرًا.
تساءل: لماذا لا يرغبون؟! أجبت: ربما البعض منهم لا يرغب فى تحمل المسؤولية واتخاذ قرارات الحياة، والبعض يشعر بصعوبة العمل والجِد والاجتهاد: فإما أن يختار الاستسلام فى الرحلة واضعًا مبررات من ظروف أو آخرين معرقلين أو عدم إتاحة فرصة أو… إلخ!! وإما أنه يسعى لتحقيق أعلى درجات النجاح دون سعى جادّ أو بأقل جهد ممكن!! فى حين نجد حياة العظماء وإنجازاتهم تعود إلى عملهم وجَهدهم فى تحدٍّ لصعابهم. اسمح لى أن أتوقف قليلاً عند كلمات الحكيم: “أرأيت رجلاً مجتهدًا فى عمله؟ أمام الملوك يقف”، و”العامل بيد رخوة يفتقر، أمّا يد المجتهدين فتُغنِى”، أمّا عمن يرغب ولا يعمل، ففيه تتحقق كلمات الحكيم: “نفس الكسلان تشتهى ولا شىء لها، ونفس المجتهدين تَسمَن”.
أيضًا عندما ننظر إلى حياة العظماء فى لمحة خاطفة، نجد أنهم أدركوا معادلة النجاح فى الحياة: كـ”توماس إديسون” الذى قال: “العبقرية ١% إلهامًا، و٩٩% عملاً جادًّا”، ودائما ما نادى: “لا بديل عن العمل الجادّ”، وكذلك أكد أن الأحلام وحدها لا تصنع النجاح: “لا فرصة دون بذل الجُهد إلا فى الأحلام! ولا يلاقى تلك الفرص إلا النائمون!!”. ويقول “برنارد شو”: “عندما كنت صغيرًا لاحظت أننى فى تِسع من كل عشَرة أشياء أقوم بها أفشل! لذا قمت بعشرة أضعاف ما وجب على عمله.”؛ وغيرهما كثيرون. لكنه … و… وللحديث بقية.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسيّ