قلتُ: نعم الله عادل فى عطاياه؛ فهو يمنح كل إنسان ما يكفيه من مواهب ليحقق بها إنجازات عظيمة، لكن عليه أن ينميها ويستثمرها بالعمل والكفاح اللذين هما سر قوة كل عظماء الإنجازات.
أمّا من نظن أنهم حُرموا بعض الأمور فى الحياة، فإن حياتهم تسير وفق إدراكهم لما وهب لهم الله؛ فرُبّ محروم من الصحة فى عضو ما أو طرف من أطرافه يكتشف إمكانات وُهبت له من خالقه تساعده فى تحقيق إنجازات عظيمة قلما يحققها الأصحاء أنفسهم!
قال: وما رأيك فيمن يتعرضون فى حياتهم لكثير من الظلم، لا من أجل أخطاء ارتكبوها، بل هى ظروف أو مواقف قد حاصرتهم أدت إلى تعرضهم لمظالم فاحشة فقدوا بسببها معنى الحياة؟! صمتّ قليلاً وأجبته: أنا أتحدث عن عدل الله، لا العدل الإنسانى الذى كثيرًا ما يشوبه الأخطاء بل يختفى عن الأعين فى بعض الأوقات. وعندئذ تذكرت قصة إحدى الجرائم التى جرت أحداثها عام 1975م، والتى عادت تطفو ملابساتها على سطح الحياة من جديد قبل سنوات قليلة مضت – عام 2014م؛ لتبطُل الأحكام التى صدرت آنذاك.
تحكى القصة أن أحد الأشخاص اتُّهم مع آخرَين فى قضية قتل عامل صرافة فى “كليفلاند” بولاية “أوهايو” الأمريكية، استنادًا إلى شهادة صبيّ، فحُكم عليه بالسَّجن مدى الحياة، وهو لم يتجاوز السابعة عشرة آنذاك؛ إلا أنه بعد أن أمضى أربعين عامًا معاقبًا فى جريمة قتل، سطع دليل براءته بعد ظهور بعض الحقائق التى استدعت إعادة التحقيق فى القضية؛ وهكذا ابتسمت له الحياة وأطلق سراحه وهو فى السابعة والخمسين!! وفى التاسع من ديسمبر عام 2014م، فى أثناء جِلسة إعلان البراءة، طلب القاضى “ريتشارد بيكار” من “كوامى أجامو” أن يطلب ما يراه من تعويض مناسب عما أمضاه من عقود فى السجن، وهو لم يقترف ذنبًا؛ فلم يكُن له مطلب سوى إعادة النظر فى القوانين التى تسببت فى اعتقاله وظلمه، وتعديل نظام العدالة الجنائية لئلا يُظلم شخص آخر. وجدير بالذكر أنه صدرت أوامر مباشرة بتكوين لجنة من استشاريُّين وقضاة على أعلى مستوى لإعادة مراجعة القوانين المتعلقة بتلك القضية.
قد تكون تلك هى صورة باهتة عن العدل الإنسانيّ، لكن عدل الله يختلف كليةً ويتدخل فى حياة كل إنسان فى الوقت المناسب. إن هناك أمرًا غريبـًا فى تلك القضية قد استرعى انتباهي: أن مِلفها قد أعيد فتحه – بعد سنوات طوال من نسيان الأمر برمته – بِناءً على مقالة بإحدى المجلات لصحافى يُدعى “كايل سوينسون” تظهر براءة المتهمين. إن العدل الإلهى لن يخبو أبدًا، ولن يترك إنسانًا دون أن يقدم حسابًا عن جميع أعماله ويجازيه عن كل ما قام به نحو نفسه والآخرين. ربما بعض يعتقد أن الله صامت تجاه ما نراه من أحداث، ليس صمتًا، لكنه فرصة تلو فرصة من أجل أن يُدرك كل إنسان ارتد عن الطريق المستقيم أخطاءه ويقوّمها، وأمّا من جهة الله فلكى يعمل ويدبر كل الأمور إلى الخير ولإظهار الحق فى أوانه.