قال: تحدثتَ عن عدل الله، وأنه ليس بصامت حيال ما يمر بحياة البشر من أحداث، لٰكنه يقدم فرصًا إلى جميع البشر كى ما يُدركوا الصواب فيسيروا عليه ويميزوا الخطأ فيقوّموه؛ لٰكن: أما توافقنى أن كثيرين من البشر لا يُدركون ذٰلك، بل يستمرون فى مسيراتهم؟! قلت: نعم، يوجد من لا يُدرك رحمة الله المقدمة إليه؛ لذٰلك على الإنسان أن ينتبه كثيرًا إلى كل فرصة خير تلتقيه فى طريق الحياة، وألا يهدرها فالله ـ تبارك اسمه ـ قد وضعها أمامه كى تكون سببًا لخيره ولخير من يساعده. تساءل، فى شك: كيف؟! يمكننى فَهم عبارة “لخير من يساعده”، لٰكن: كيف تكون “لخيره هو”؟! أجبته: يا صديقى، إن ما يقدمه الإنسان من خير يعود إليه قبل أن يأتى مُعوز هٰذا الخير؛ دعنى أوضح لك الأمر: أنت تعلم جيدًا أن الله صانع الخيرات وواهب النعم للخليقة جمعاء، وهو يعمل ويدبر كل الأمور لتؤول إلى الخير وإظهار الحق فى أوانه المناسب. وقد وضع الله بذر الخير فى الإنسان، وحين يقدم الإنسان الخير، فإنما هو ينمو بهٰذه الطبيعة الخيّرة التى فطره الله عليها ليستمر فيها شاهدًا لعمل الله فيه، ولهٰذا عليه أن يتعلم الطريق إلى فعل الخير والرحمة تجاه البشر. بمعنى أنه حين نتحدث عن مظاهر الخير للإنسانية من عطاء وصدق وإيجابية وغيرها، نرى أنه لا يمكننا أن نتجاهل أحد دروب الحياة ومبادئها الذى يُعد أساسًا للحياة الإنسانية المُثلى التى نحلُم أن تضحى واقعًا فى عالمنا الآن: “الرحمة” فى طريق حياتنا؛ إن هٰذه الفضيلة علَّمت بها الأديان وعدَّتها إحدى الصفات المهمة التى ينبغى أن يتحلى بها الإنسان؛ إذ هى صفة من صفات الله ـ تبارك اسمه ـ فيذكر “الكتاب”: “الرَّبُّ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ.”؛ وفى “القرآن”: ﴿وَرَبُّكَ الْغَنِى ذُو الرَّحْمَةِ﴾، وأيضًا: ﴿إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. ويُطلب من الإنسان أن يكون رحيمًا، فيقول “الكتاب”: “فَكُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُم أَيْضًا رَحِيمٌ.”، وفى “القرآن”: ﴿وَلاَ تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِى حَمِيمٌ﴾.
وتحمل “الرحمة” فى باطنها معانى “الرقة” والشفقة” و”الرِّفق” التى يعامل بها الإنسان إخوته من البشر الذين يلتقيهم فى رحلة حياته، بل أولٰئك الذين لم يقابلوه ولٰكنهم تأثروا إيجابيًّا بمواقفه وبأعماله وبقراراته: كمن ساهم فى تطوير الطب والعقاقير واكتشاف الأمصال التى أنقذت حياة كثيرين، أو من قدم وما زال يقدم من أجل حياة كريمة للبشر. وهٰكذا دائمًا “الرحمة” أحد معالم إنسانية البشر.
وتتعدد مظاهر الرحمة فى حياة البشر: فالرحمة فى العطاء، والرحمة بالكلمات، والرحمة من المسامحة والغفران، والرحمة بتقدير أحوال الآخرين ومشاعرهم، والرحمة بالضعفاء.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسيّ