قال: تحدثتَ عن الرحمة فى حياة من قدموا وأعطَوا، وكيف أن مشاعر السعادة تزداد فى أعماق الإنسان حين يقدم لمن حوله لا لمن تتضاعف ثروته؛ حيث يكون العطاء هو محرك مشاعره الحقيقى.
قلت: نعم، وقد توقفت عند قصة “روبنز” التى عاش أحداثها قبل سنوات، وكانت نقطة فارقة فى حياته وإدراكه لواحد من أهم معانى الحياة: العطاء.
يبدأ “روبنز” كلماته بوصف أحواله آنذاك؛ فبعد أن طرده والده من المنزل وهو لم يتخطَّ السابعة عشرة بعد، بدأ طريق حياته بالقيام ببعض الأعمال التى تجلب قليلاً من المال يوميـًّا، وكان يعتمد على المحالّ التى تسمح للفرد بتناول ما يريده من كَميات وأنواع من الأطعمة مقابل دولارات قليلة، ويقول: “كنت آكل بقدر ما أستطيع حتى أظل شبعان يومـًا أو يومين”!!
مرت سنوات، وفى أحد الأيام، بينما كان يعيش فى شقة صغيرة فى “ڤينيسيا” بولاية “لوس أنچلوس”، وأوشك ماله أن ينفَد إذ كان كل ما معه 23 أو 24 دولارًا وسنتات قليلة، انتابه غضب عارم من العالم لِما يتعرض له من شظف العيش، وغضب أكبر من صديق كان قد أقرضه هو بعض المال ولم يقُم برد المبلغ إليه أو مجرد الرد على اتصالاته الهاتفية، ثم أخذته حَيرة من تساؤلات لا يجد لها إجابات: كيف سآكل؟ كيف سأعيش؟ كيف سأقوم بتسديد قيمة إيجار شقتى الذى مر على ميعاد سداده شهر؟! قرر “روبنز” فى ذلك اليوم أن يسير قرابة أربعة أميال إلى مطعم مكسيكى صغير ليتناول كل ما يمكنه من طعام – فى مقابل 5.95 دولارات – كى يستعيد طاقته ويتمكن من النوم.
وبالفعل تناول “روبنز” كل ما يمْكن طاقته أن تحتمله من طعام من أجل الشتاء! وبينما هو ذاهب لدفع حسابه، دخل أمامه صبى صغير فى السابعة أو الثامنة على الأكثر، مرتديا سُترة، ويبدو على مسلكه الرزانة! فقد قام بفتح الباب لوالدته وجذب كرسى لها. ويصف “روبنز مشاعره فيقول: “لا أدرى، شيء ما فى هذا الصبى أصاب أعماق مشاعرى، فعلى الرغم من كونه صبيـًّا صغيرًا، كان يبدو عليه أن لديه قلبـًا كبيرًا ورقيـًّا.”. دفع “روبنز” فاتورته، واتجه نحو الصبى وحيّاه مُعرفـًا نفسه إليه؛ ويستكمل لنا قصته قائلاً: “كنت حينئذ لا شيء! من يكون “تونى روبنز”؟! قلت للصبيّ: أريد أن أخبرك أننى الدقائق القليلة الماضية شاهدتك تفتح الباب للسيدة التى بصحبتك، وتجذب لها الكرسى، ورأيت الطريقة التى تنظر بها إليها بكل انتباه وتقدير. أنت إنسان راقٍ، وشيء رائع أن تصطحبها لتناول الطعام.”. رد الصبى بأن تلك المرأة هى أمه، لكنه لم يدعوها إلى الطعام لأنه لا يعمل إذ ما يزال فى الثامنة. وعلى الفور ودون سابق تخطيط وجد “روبنز” نفسه يقوم بتقديم كل ما لديه من مال للصبى ويغادر مسرعـًا!… وللحديث بقية.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسيّ