فى طريق الحياة نسير، إلا أن المسير يحلو وتخف معاناته عندما يرافقك صديق حقيقى فيه؛ فقد قيل: “الصديق هو أخ لك، ونعمة عظيمة لا يشعر بها إلا من يمتلِكها، ولا يشعر بهول الحياة إلا من يفتقدها”.. والصديق الحقيقى هو الإنسان الذى يصادقك، لا من أجل مال تملِكه، أو وضع اجتماعى لك، أو سلطة أو نفوذ فى يدك؛ وحينما يغيب أى من تلك يغيب هو معها!
صديقك هو الإنسان الصادق معك فى كل أمور حياتك؛ فمحبته لك تجعله يتمنى لك الخير والنجاح. حينما تطلب منه رأيـًا، يقدم إليك أصدق الكلمات التى تساعدك. وحينما تحتاج إلى معونة، تجد يده تسند يدك دون أن تسأل. إنه من يفرح من أجل سعادة تحققها، ويشعر بآلامك دون أن تتحدث. قيل: “صديقك الحقيقى هو من يعرِف شعورك من الدقيقة الأولى للقائك ، على النقيض من آخرين قد تعرِفهم منذ زمن طويل.”!
صديقك هو من يحتملك وقت انفعالاتك وضيقك، بل مهما حدث تختزن ذاكرته مواقف جميلة لك. هناك قصة لطيفة عن صديقين كانا يسيران فى طريق، فانفعل أحدهما على الآخر، ولطمه! فحزن هٰذا الإنسان، وكتب على الرمال: اليوم ، لطمنى صديقى ! وبينما هما يستكملان المسير، تعرض الشخص الذى لُطم للغرق فأنقذه صديقه ؛ فنقش على الصخر: اليوم، أنقذ صديقى حياتى! وحينما سأله صديقه: لماذا كتبتَ لطمك على الرمال، وإنقاذك على الصخر؟! أجاب: لأننى أحببتُ أن أكتُب المواقف السيئة التى مرت بى على رمال تضيع مع الريح، فى حين تُنقش الرائعة منها على الصخر لكى تبقى! فالصديق لا ينسى مواقف صديقه الرائعة حتى أن مرت بينهما بعض المشكلات .
صديقك الحقيقى هو من يرفض بشدة كل أمر لا يناسبك أو يتسبب فى ضررك؛ حتى أن كان على النقيض من رغبتك الشديدة فى أن تنفذه ؛ فتجده دائمًا إلى جوارك طالبًا أن تمهل قليلا قبل إتمام هٰذا الأمر. وتراه دائمـًا يساعدك على إدراك حقيقة أمور غاب عنك فَهمها جيدًا. الصديق هو من يعرفك ويعرف عيوبك، إلا أنه يحمل لك محبة عميقة داخله تحتمل وتخفف عنك أعباء الحياة وضُغوطها.
ربما بلغ معترك الحياة ومشكلاتها الصعوبة إلى الدرجة التى بها تستنكر وجود مثل هٰذا الصديق، ولٰكن دعنى أخبرك أنه ما زال هناك أشخاص مخلصون يعرِفون معنى الصداقة، وأهميتها، ودورها فى الحياة.
ولعل أهم ما نحتاج إليه هو أن نجد صديقًا وفيـًّا طوال العمر، إلى جوارنا دائمـًا! أتذكر إحدى القصص التى قرأتُها عن أحد الجنود الذى طلب إلى قائده أن يذهب للبحث عن صديقه الذى لم يعُد. ولٰكن القائد رفض.
فما كان من الجندى إلا أن خرج وعاد مصابـًا وهو يحمل صديقه جثةً هامدة! فأنبه القائد أن ما فعله لا يستحق التضحية بنفسه جزاء مخالفته لأمره. فأجاب الجندى: لقد وجدتُه يحتضر، وما أن رآنى حتى قال لى: كنتُ أعلم أنك ستحضر! قيل: “أنتَ تملِك أصدقاء. إذًا أنت غنى”.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى